للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى اللهِ وَعَلَى رَسُولِهِ الْمِعْوَلُ. فَجِئْت النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْته، فَقَالَ:

كَمْ سُقْت إلَيْهَا! قُلْت: مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. فَقَالَ: لَوْ كُنْتُمْ تَغْتَرِفُونَهُ مِنْ نَاحِيَةَ بَطِحَانَ [ (١) ] مَا زِدْتُمْ. فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعْنِي فِي صَدَاقِهَا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَا وَافَقَتْ عِنْدَنَا شَيْئًا أُعِينُك بِهِ، وَلَكِنّي قَدْ أَجَمَعْت أَنْ أَبَعَثَ أَبَا قَتَادَةَ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا [فِي سَرِيّةٍ] ، فَهَلْ لَك أَنْ تَخْرُجَ فِيهَا؟

فَإِنّي أَرْجُو أَنْ يُغْنِمَك اللهُ مَهْرَ امْرَأَتِك. فَقُلْت: نَعَمْ. فَخَرَجْنَا فَكُنّا سِتّةَ عَشَرَ رَجُلًا بِأَبِي قَتَادَةَ وَهُوَ أَمِيرُنَا، وَبَعَثَنَا إلَى غَطَفَان نَحْوَ نَجْدٍ فَقَالَ: سِيرُوا اللّيْلَ وَاكْمُنُوا النّهَارَ، وَشُنّوا الْغَارَةَ، وَلَا تَقْتُلُوا النّسَاءَ وَالصّبْيَانَ.

فَخَرَجْنَا حَتّى جِئْنَا نَاحِيَةَ غَطَفَان، فَهَجَمْنَا عَلَى حَاضِرٍ مِنْهُمْ عَظِيمٍ. قَالَ: وَخَطَبَنَا أَبُو قَتَادَةَ وَأَوْصَانَا بِتَقْوَى اللهِ عَزّ وَجَلّ، وَأَلّفَ بَيْنَ كُلّ رَجُلَيْنِ وَقَالَ: لَا يُفَارِقُ كُلّ رَجُلٍ زَمِيلَهُ حَتّى يُقْتَلَ أَوْ يَرْجِعَ إلَيّ فَيُخْبِرُنِي خَبَرَهُ، وَلَا يَأْتِنِي رَجُلٌ فَأَسْأَلُ عَنْ صَاحِبِهِ فَيَقُولُ، لَا عِلْمَ لِي بِهِ! وَإِذَا كَبّرْت فَكَبّرُوا، وَإِذَا حَمَلْت فَاحْمِلُوا، وَلَا تُمْعِنُوا فِي الطّلَبِ. فَأَحَطْنَا بِالْحَاضِرِ فَسَمِعْت رَجُلًا يَصْرُخُ: يَا خَضِرَةَ! فَتَفَاءَلَتْ وَقُلْت: لَأُصِيبَنّ خَيْرًا وَلَأَجْمَعَنّ إلَيّ امْرَأَتِي! وَقَدْ أَتَيْنَاهُمْ لَيْلًا. قَالَ: فَجَرّدَ أَبُو قَتَادَةَ سَيْفَهُ وَجَرّدْنَا سُيُوفَنَا، وَكَبّرَ وَكَبّرْنَا مَعَهُ، فَشَدَدْنَا عَلَى الْحَاضِرِ فَقَاتَلَ رِجَالٌ، وَإِذَا بِرَجُلٍ طَوِيلٍ قَدْ جَرّدَ سَيْفَهُ صَلْتًا، وَهُوَ يَمْشِي الْقَهْقَرَى وَيَقُولُ: يَا مُسْلِمُ، هَلُمّ إلَى الْجَنّةِ! فَاتّبَعْته ثُمّ قَالَ: إنّ صَاحِبَكُمْ لَذُو مَكِيدَةٍ، وَإِنّ أَمْرَهُ هُوَ الْأَمْرُ. وَهُوَ يَقُولُ:

الْجَنّةَ! الْجَنّةَ! يَتَهَكّمُ بِنَا. فَعَرَفْت أَنّهُ مستقبل فخرجت فى أثره، فينادينى صَاحِبِي: لَا تَبْعُدْ، فَقَدْ نَهَانَا أَمِيرُنَا أَنْ نمعن فى الطلب! فأدركته فرميته على


[ (١) ] بطحان: اسم وادي المدينة. (النهاية، ج ١، ص ٨٣) .