للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جُرَيْدَاءِ مَتْنِهِ [ (١) ] ، ثُمّ قَالَ: اُدْنُ يَا مُسْلِمُ إلَى الْجَنّةِ! فَرَمَيْته حَتّى قَتَلْته بِنَبْلِي، ثُمّ وَقَعَ مَيّتًا فَأَخَذْت سَيْفَهُ. وَجَعَلَ زَمِيلِي يُنَادِي: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ إنّي وَاَللهِ إنْ ذَهَبْت إلَى أَبِي قَتَادَةَ فَسَأَلَنِي عَنْك أَخْبَرْته. قَالَ: فَلَقِيته قَبْلَ أَبِي قَتَادَةَ فَقُلْت: أَسَأَلَ أَمِيرِي عَنّي؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَقَدْ تَغَيّظَ عَلَيّ وَعَلَيْك.

وَأَخْبَرَنِي أَنّهُمْ جَمَعُوا الْغَنَائِمَ- وَقَتَلُوا مَنْ أَشْرَفَ لَهُمْ- فَجِئْت أَبَا قَتَادَةَ فَلَامَنِي فَقُلْت: قَتَلْت رَجُلًا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا وَكَذَا، فَأَخْبَرْته بِقَوْلِهِ كُلّهِ.

ثُمّ اسْتَقْنَا النّعَمَ، وَحَمَلْنَا النّسَاءَ، وَجُفُونُ السّيُوفِ مُعَلّقَةٌ بِالْأَقْتَابِ [ (٢) ] .

فَأَصْبَحْت- وَبَعِيرِي مَقْطُورٌ [ (٣) ]- بِامْرَأَةٍ كَأَنّهَا ظَبْيٌ، فَجَعَلَتْ تُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ خَلْفَهَا وَتَبْكِي، قُلْت: إلَى أَيّ شَيْءٍ تَنْظُرِينَ؟ قَالَتْ: أَنْظُرُ وَاَللهِ إلَى رَجُلٍ لَئِنْ كَانَ حَيّا لِيَسْتَنْقِذَنَا مِنْكُمْ. فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنّهُ الّذِي قَتَلْته فَقُلْت: قَدْ وَاَللهِ قَتَلْته، وَهَذَا سَيْفُهُ مُعَلّقٌ بِالْقَتَبِ إلَى غِمْدِهِ، فَقَالَتْ: هَذَا وَاَللهِ غِمْدُ سيفه، فشمه [ (٤) ] إن كنت صَادِقًا. قَالَ: فَشِمْته فَطَبَقَ [ (٥) ] . قَالَ:

فَبَكَتْ وَيَئِسَتْ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ: فَقَدِمْنَا عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنّعَمِ وَالشّاءِ.

فَحَدّثَنِي أَبُو مَوْدُودٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الله بن أبي حدرد [ (٦) ] ، عن أبيه، قال: لَمّا رَجَعْت مِنْ غَزْوَةِ خَضِرَةَ وَقَدْ أَصَبْنَا فيئا، سهم كلّ رجل


[ (١) ] أى وسطه، وهو موضع القفا المتجرد عن اللحم، تصغير الجرداء. (النهاية، ج ١، ص ١٥٤)
[ (٢) ] الأقتاب: جمع قتب، وهو الإكاف الصغير على قدر سنام البعير. (القاموس المحيط، ج ١، ص ١١٤) .
[ (٣) ] قطرت البعير: طليته بالقطران. (الصحاح، ص ٧٩٥) .
[ (٤) ] شمت السيف: أغمدته. وشمته: سللته، وهو من الاضداد. (الصحاح، ص ١٩٦٣) .
[ (٥) ] الطبق: يدل على وضع شيء مبسوط على مثله حتى يغطيه. (مقاييس اللغة، ج ٣، ص ٤٣٩)
[ (٦) ] فى الأصل: «عبد الله بن أبى جدرد» .