للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَقَالَ حَسّانُ شِعْرًا، وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُذَاكِرَ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بَعْضَ ذَلِكَ، فَذَاكَرَهُ. قَالَ: فَمَكَثَ أَبُو سُفْيَانَ عِشْرِينَ سَنَةً [ (١) ] عَدُوّا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَهْجُو الْمُسْلِمِينَ وَيَهْجُونَهُ، وَلَا يَتَخَلّفُ عَنْ مَوْضِعٍ تَسِيرُ فِيهِ قُرَيْشٌ لِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمّ إنّ اللهَ أَلْقَى فِي قَلْبِهِ الْإِسْلَامَ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقُلْت: مَنْ أَصْحَبُ وَمَعَ مَنْ أَكُونُ؟ قَدْ ضَرَبَ الْإِسْلَامُ بِجِرَانِهِ [ (٢) ] ! فَجِئْت زَوْجَتِي وَوَلَدِي، فَقُلْت:

تَهَيّئُوا لِلْخُرُوجِ فَقَدْ أَظَلّ قُدُومُ مُحَمّدٍ عَلَيْكُمْ. قَالُوا: قَدْ آنَ لَك تُبْصِرَ أَنّ الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ قَدْ تَبِعَتْ مُحَمّدًا وَأَنْتَ مُوضِعٌ فِي عَدَاوَتِهِ، وَكُنْت أَوْلَى النّاسِ بِنَصْرِهِ! فَقُلْت لِغُلَامِي مَذْكُورٍ: عَجّلْ بِأَبْعِرَةٍ وَفَرَسٍ. قَالَ: ثُمّ سِرْنَا حَتّى نَزَلْنَا الْأَبْوَاءَ، وَقَدْ نَزَلَتْ مُقَدّمَتُهُ الْأَبْوَاءَ، فَتَنَكّرْت وَخِفْت أَنْ أُقْتَلَ، وَكَانَ قَدْ هَدَرَ دَمِي، فَخَرَجْت، وأجد ابني جعفر عَلَى قَدَمِي نَحْوًا مِنْ مِيلٍ، فِي الْغَدَاةِ الّتِي صَبّحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا الْأَبْوَاءَ، فَأَقْبَلَ النّاسُ رَسَلًا رَسَلًا [ (٣) ] ، فَتَنَحّيْت فَرَقًا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمّا طَلَعَ مَرْكَبُهُ تَصَدّيْت لَهُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَلَمّا مَلَأَ عَيْنَيْهِ مِنّي أَعْرَضَ عَنّي بِوَجْهِهِ إلَى النّاحِيَةِ الْأُخْرَى، فَتَحَوّلْت إلَى نَاحِيَةِ وَجْهِهِ الْأُخْرَى، وَأَعْرَضَ عَنّي مِرَارًا، فَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ، وَقُلْت: أَنَا مَقْتُولٌ قَبْلَ أَنْ أَصِلَ إلَيْهِ. وَأَتَذَكّرُ بِرّهُ وَرَحْمَتَهُ وَقَرَابَتِي فَيُمْسِكُ ذَلِكَ مِنّي، وَقَدْ كُنْت لَا أَشُكّ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ سَيَفْرَحُونَ بِإِسْلَامِي فَرَحًا شَدِيدًا، لِقَرَابَتِي [ (٤) ] [مِنْ] رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمّا رَأَى الْمُسْلِمُونَ إعْرَاضَ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وسلّم عنّى


[ (١) ] هكذا فى الأصل.
[ (٢) ] ضرب الإسلام بجرانه: قر قراره واستقام. (النهاية، ج ١، ص ١٥٨) .
[ (٣) ] رسلا: أى فرقا. (النهاية، ج ٢، ص ٨٠) .
[ (٤) ] فى الأصل: «وقرابتي» .