للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَزّتْ يَوْمَئِذٍ. فَلَمّا دَعَانِي بَعْدَ أَخْذِهِ الْمِفْتَاحَ ذَكَرْت قَوْلَةَ مَا كَانَ قَالَ، فَأَقْبَلْت فَاسْتَقْبَلْته بِبِشْرٍ وَاسْتَقْبَلَنِي بِبِشْرٍ، ثُمّ قَالَ: خُذُوهَا يَا بَنِي أَبِي طَلْحَةَ تَالِدَةً خَالِدَةً، لَا يَنْزِعُهَا إلّا ظَالِمٌ، يَا عُثْمَانُ، إنّ اللهَ اسْتَأْمَنَكُمْ عَلَى بَيْتِهِ، فَكُلُوا بِالْمَعْرُوفِ. قَالَ عُثْمَانُ: فَلَمّا وُلِيَتْ نَادَانِي فَرَجَعَتْ إلَيْهِ، فَقَالَ: أَلَمْ يَكُنْ الّذِي قُلْت لَك؟ قَالَ: فَذَكَرْت قَوْلَهُ لِي بِمَكّةَ فَقُلْت: بَلَى، أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللهِ! فَأَعْطَاهُ الْمِفْتَاحَ، وَالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعٌ بِثَوْبِهِ، وَقَالَ: أَعِينُوهُ! وَقَالَ: قُمْ عَلَى الْبَابِ وَكُلْ بِالْمَعْرُوفِ.

وَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السّقَايَةَ إلَى الْعَبّاسِ، فَكَانَ الْعَبّاسُ يَلِيهَا دُونَ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَوَلَدُهُ بَعْدَهُمْ. فَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ الْحَنَفِيّةِ كَلّمَ فِيهَا ابْنَ عَبّاسٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: مَا لَك وَلَهَا؟ نَحْنُ أَوْلَى بِهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَقَدْ كَانَ أَبُوك كَلّمَ فِيهَا فَأَقَمْت الْبَيّنَةَ، طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ، وَعَامِرَ بْنَ ربيعة، وأزهر بن عبد عَوْفٍ، وَمَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ، أَنّ الْعَبّاسَ كَانَ يَلِيهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ وَأَبُوك فِي نَادِيَتِهِ [ (١) ] بِعُرَنَةَ [ (٢) ] فِي إبِلِهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهَا الْعَبّاسَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَعَرَفَ ذَلِكَ مَنْ حَضَرَ، فَكَانَتْ بِيَدِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ بَعْدَ أَبِيهِ، لَا يُنَازِعُهُمْ فِيهَا مُنَازِعٌ، وَلَا يَتَكَلّمُ فِيهَا مُتَكَلّمٌ. وَكَانَ لِلْعَبّاسِ مَالٌ بِالطّائِفِ، كَرْمٌ كَانَ يَحْمِلُ زَبِيبَهُ إلَيْهَا فَيُنْبَذُ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَالْإِسْلَامِ، ثُمّ كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبّاسٍ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمّ كَانَ عَلِيّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ إلَى الْيَوْمِ.

قَالَ: وَجَاءَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم فقال:


[ (١) ] ندت الإبل إذا رعت فيما بين النهل والعلل، تندو ندوا، فهي نادية. (الصحاح، ص ٢٥٠٦) .
[ (٢) ] فى الأصل: «يعرفه» . وعرفة: واد بحذاء عرفات. (معجم، البلدان ج ٦، ص ١٥٩) .