للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ فَأَنَاخَ بِهِ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ ابْنُ سِتّينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ، فَإِذَا هُوَ دُرَيْدٌ وَلَا يَعْرِفُهُ الْغُلَامُ. قَالَ الْفَتَى: مَا أُرِيدُ إلَى غَيْرِهِ مِمّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ دِينِهِ.

قَالَ لَهُ دُرَيْدٌ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا رَبِيعَةُ بْنُ رُفَيْعٍ السّلَمِيّ. قَالَ: فَضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ فَلَمْ يُغْنِ شَيْئًا. قَالَ دُرَيْدٌ: بِئْسَ مَا سَلّحَتْك أُمّك! خُذْ سَيْفِي مِنْ وَرَاءِ الرّحْلِ فِي الشّجَارِ فَاضْرِبْ بِهِ وَارْفَعْ عَنْ الطعام واخفض عن الدّماغ، فإن كُنْت كَذَلِكَ أَقْتُلُ الرّجَالَ، ثُمّ إذَا أَتَيْت أُمّك فَأَخْبِرْهَا أَنّك قَتَلْت دُرَيْدَ بْنَ الصّمّةِ، فَرَبّ يَوْمٍ قَدْ مَنَعْت [ (١) ] فِيهِ نِسَاءَك! زَعَمَتْ بَنُو سُلَيْمٍ أَنّ رَبِيعَةَ لَمّا ضَرَبَهُ تَكَشّفَ لِلْمَوْتِ عِجَانُهُ [ (٢) ] ، وَبُطُونُ فَخِذَيْهِ مِثْلَ الْقَرَاطِيسِ مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ. فَلَمّا رَجَعَ رَبِيعَةُ إلَى أُمّهِ أَخْبَرَهَا بِقَتْلِهِ إيّاهُ فَقَالَتْ: وَاَللهِ لَقَدْ أَعْتَقَ أُمّهَاتٍ لَك ثَلَاثًا فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَجَزّ نَاصِيَةَ أَبِيك. قَالَ الْفَتَى:

لَمْ أَشْعُرْ.

قَالُوا: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيّ فِي آثَارِ مَنْ تَوَجّهَ إلَى أَوْطَاسٍ، وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً، فَكَانَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْبَعْثِ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ، فَكَانَ يُحَدّثُ يَقُولُ: لَمّا انْهَزَمَتْ هَوَازِنُ عَسْكَرُوا بِأَوْطَاسٍ عَسْكَرًا عَظِيمًا، تَفَرّقَ مِنْهُمْ مَنْ تَفَرّقَ، وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ، وَأُسِرَ مَنْ أُسِرَ، فَانْتَهَيْنَا إلَى عَسْكَرِهِمْ فَإِذَا هُمْ مُمْتَنِعُونَ [ (٣) ] ، فَبَرَزَ رَجُلٌ فَقَالَ: مَنْ يُبَارِزُ؟ فَبَرَزَ لَهُ أَبُو عَامِرٍ، فَقَالَ: اللهُمّ اشْهَدْ! فَقَتَلَهُ أَبُو عَامِرٍ حَتّى قَتَلَ تِسْعَةً كَذَلِكَ، فَلَمّا كَانَ التّاسِعُ بَرَزَ لَهُ رَجُلٌ مُعْلِمٌ يَنْحُبُ [ (٤) ] لِلْقِتَالِ، وَبَرَزَ لَهُ أَبُو عَامِرٍ فَقَتَلَهُ، فَلَمّا كَانَ الْعَاشِرُ بَرَزَ رَجُلٌ مُعْلِمٌ بِعِمَامَةٍ صَفْرَاءَ، فَقَالَ أَبُو عامر: اللهمّ


[ (١) ] فى الأصل: «ضيعت» ، وما أثبتناه عن ابن إسحاق. (السيرة النبوية، ج ٤، ص ٩٥) .
[ (٢) ] العجان: الدبر، وقيل ما بين القبل والدبر. (النهاية، ج ٣، ص ٧١) .
[ (٣) ] فى الأصل «متمتعون» ، وما أثبتناه عن ابن سعد. (الطبقات، ج ٢، ص ١٠٩) .
[ (٤) ] نحب: أى أجهد السير. (الصحاح، ص ٢٢٢) .