للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واستدلّ الحاكمُ بقولِهِ تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} (١).

ووجهُ الدلالةِ أنّهُ حثّهُمْ على السّماعِ منه - صلى الله عليه وسلم -، معَ أنّهم غيرُ محتاجينَ إلى السّفرِ لذلكَ؛ لأنّ المقصودَ علمُهم بذلكَ، والنّبيّ - صلى الله عليه وسلم - مأمورٌ بالتبليغِ لكلّ أحدٍ قربَ أو بَعُدَ، فلو أقاموا لأتتْهُم رسلُه، لكنَّ الظاهرَ أنَّ أمرَهُم بذلكَ إنّما هو للتخفيفِ عَلَى النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بكونِ أصحابِهِ - رضي الله عنهم - عندَهُ يعينونَهُ عَلَى غيرِ ذلكَ منْ مهماتِ الدّينِ وَليقوَى إيمانُ منْ رآهُ - صلى الله عليه وسلم - وشاهدَ تلكَ الأحوالَ وكحّلَ عينيِهِ برؤيةِ ذلكَ الجمالِ، وتشنّفَ سمعُهُ بِدُرِّ ذلكَ المقالِ، فسمِعَ بأُذنِهِ منهُ - صلى الله عليه وسلم - القرآنَ، وشاهدَهُ بعينهِ في حركاتِهِ وسكناتِهِ في السّرِ والإعلانِ ففاضتْ عليهِ تلكَ الأسرارُ، وغمرتهُ هاتيكَ الأنوارُ، فلعلهُ يكونُ مانعاً لكثيرٍ منْ قومِهِ منَ الردّةِ أوْ غيرِهَا، ممَا لعله يَهمّ بمواقعتِهِ منَ العظائمِ.

قوله: (مَنْ يَزعُمُ أَنَّ الخبرَ أقوى مِنَ القياسِ) (٢)، أي: منْ يزعمُ أنّهُ لا يسوغُ القياس معَ إمكانِ الوصولِ إلى الخبرِ، فيمعن في الفحصِ عنهُ إلى أنْ يصلَ إلى اليأسِ منْ وجودِهِ، ليكونَ المعنى حينئذٍ أنّهُ يجبُ عليهِ أنْ يجتهدَ في تحصيلِ متنِ الحديثِ وفي معرفةِ تأويلهِ؛ لأنّهُ لا يسوغُ لَهُ استعمالُ الضعيفِ بحضرةِ القويِّ، ومَا دامَ مترجياً لَهُ فهو يعدهُ حاضراً، لكنَّ هذا التعليلَ لا يخصُّ النّزولَ، بلْ تارةً يترجاهُ بعلوٍّ، وتارةً بنزولٍ وهوَ معَ القناعةِ بالنّزولِ أقربُ إلى ضعفِ الخبرِ؛ لأنَّ مظانَّ الخللِ فيهِ أكثرُ فلمْ يُفدْ هذا التعليلُ شيئاً. هذا مَا قالَهُ / ٢٥٥ أ / شيخُنَا أو نحوه.


(١) التوبة: ١٢٢.
(٢) شرح التبصرة والتذكرة ٢/ ٦٠، وهذا من كلام الرامهرمزي في " المحدّث الفاصل ": ٢١٦ (١٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>