لعلنا لا نغادرُ أرضَ الواقعِ والحقيقةِ إذا قلنا: أنَّ شرحَ الحافظِ العراقيِّ منْ أكثرِ الشروحِ أصالةً في مادتهِ العلميةِ، وأوفرِها إغناءً لجوانبِ البحثِ العلميِّ، فقدْ حوى الكتابُ الكثيرَ من النقولاتِ لأئمةِ هذا الفنِّ وعُمَدِهِ فاستغنى بها، وأجادَ وأفادَ مع الأصالة التامة والإبداع الفائق والأسلوب الرصين؛ حتى أصبح هذا الكتَاب منَ المراجعِ الجليلةِ لعلمِ مصطلحِ الحديثِ، ولا غنيةَ لطَالبِ العلمِ عنهُ.
ولا ريبَ أن لا حفظَ لكتابٍ عن الخطأِ والتحريفِ والتصحيفِ خلا كتاب اللهِ تعالى، فمنَ البَدهي أنْ يعتري هذا الجهد البشري - الذي لا يخلوا من نقصٍ جُبِلَت عليهِ فطرة النَّاس التي فطرهم اللهُ عليها -بعضَ الهناتِ هنا وهناكَ، وفي هذا يقولُ العمادُ الأصبهانيُّ:((إنَّهُ لا يكتبُ إنسانٌ كتاباً في يومهِ إلا قالَ في غدهِ: لو غُيِّرَ هذا لكانَ أحسن، ولو زِيدَ هذا لكانَ يُستحسن، ولو قُدِّمَ هذا لكانَ أفضل، ولو تُركَ هذا لكانَ أجمل، وهذا منْ أعظمِ العبرِ، وهو دليلٌ على استيلاءِ النقصِ على جملةِ البشرِ))، وقدْ دأبَ أهلُ العلمِ الفضلاءِ في تتبعِ أمهاتِ الكتبِ نفياً لما جاءَ فيها من تقصيرٍ، وتصحيحاً لبعضِ ما شابها من أخطاءٍ خدمةً لدينِ اللهِ، وابتغاءً لمرضاتهِ جلَّ في علاه المتمثل بخدمَةِ سنةِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - الدليل الثاني منْ أدلةِ الدينِ الحنيفِ؛ لذا جاءَ كتابُ " النكتِ الوفيةِ بما في شرح الألفية " للعلامةِ البقاعيِّ على هذا النهجِ، وهذا المنوالِ ليُتممَ فوائدَ هذا الشَّرحِ الجليلِ العلمية، ويحل بعضَ ما غمضَ وأبهم من عباراتِهِ وجملِهِ، فاكاً لكلِّ لبسٍ قد يَظهرُ للقارئ حولها، ومستدركاً لبعضِ ما وردَ فيهِ منَ الهفواتِ التي لا يخلوا منها عملُ إنسانٍ -وكما قدَّمت قبلَ قليلٍ - ومنبهاً على جوانب علميةٍ فريدةٍ حواهَا هذا السفرُ العظيمُ، وفيما يأتي أوجزُ بعضَ هذهِ السماتِ التي تمتعَ بها كتابُ " النكتِ الوفيةِ بما في شرح الألفية " وبعضَ ما امتازَ بهِ، فأقول وبالله التوفيق: