(٥٧٧هـ) والمتوفي سنة (٦٤٣ هـ) نزيل دمشق، فجمع لما ولي تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية ما تفرق في مؤلفات من سبقه، وضم إليه ما يجب ضمه من الفوائد، وذلك في كتابه النفيس " معرفة أنواع علم الحديث "، وهو من أجل كتب مصطلح الحديث وأحسنها، وكان هذا الكتاب حدثاً جديداً ومحوراً دارت في فلكه تصانيف كل من أتى بعده، وأنه واسطة عقدها، ومصدر ما تفرع عنها، ولم يكن لمن بعده سوى إعادة الترتيب في بعض الأحيان، أو التسهيل عن طريق الاختصار أو النظم، أو إيضاح بعض مقاصده، وقد رزق الله تعالى كتاب ابن الصلاح القبول بين الناس، حتى صار مدرس من يروم الدخول بهذا الشأن ولا يتوصل إليه إلا عن طريقه فهو المفتاح لما أغلق من معانيه، والشارح بما أجمل من مبانيه.
وقد اعتنى من جاء من بعد ابن الصلاح أشد العناية بكتابه حتى قال ابن حجر:((فلا يحصى كم ناظم له ومختصر ومستدرك عليه ومقتصر ومعارض له ومنتصر))، وكان من أفضل ما اعتنى بهذا الكتاب صنيع الحافظ العراقي إذ خدمه مرات عديدة كان أجلها حينما نظم الكتاب ثم شرح النظم بكتابه النفيس " شرح التبصرة والتذكرة " وقد بينت في مقدمتي لشرح التبصرة والتذكرة قيمة الشرح وطريقة الشارح (١)، ولنفاسة كتاب " شرح التبصرة والتذكرة " وأهميته خدمه البقاعي الخدمة التي تليق به وبمكانة مؤلفه، وقد تصدى لما أشكل من نظم الألفية أو شرحها مستفيداً بشكل أساسي من مباحثاته مع شيخه الحافظ ابن حجر، واستدرك عليه بعض المواطن التي لم يوضحها الحافظ العراقي، وما وقع في أبياتها من انكسار الوزن أو صعوبة التعبير، ولا أريد أن أطيل بوصف كتاب البقاعي فقد بينت ذلك في الدراسة عنه؛ لكن الذي أريده هو أن كتاب البقاعي متمم لفوائد وعوائد كتاب " شرح التبصرة والتذكرة "، الذي هو امتداد لحسن صنيع الحافظ ابن الصلاح.
(١) والدراسة تضمنت الفصل الثاني من الدراسة من صفحة ٤٣ من المجلد الأول إلى صفحة ٧٣.