للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عنهم السَماع مِن أهلِ الكتابِ، والنقل عَنهم (١)، ولهذا فَرقَ المحدثونَ كَما ترى في هَذهِ المسألةِ بينَ ما يكونُ راويهِ مِمَّن حملَ عَن أهل الكِتابِ، فَلا يُحكمُ لهُ بالرَفعِ، وبينَ غَيرِه فَيحكَم لَهُ بهِ، فلعلهُم حَملوا النَهي فِي الحَديثِ الأَولِ والثاني على التنْزيهِ، أو أنَّ ذلِكَ الحكم كانَ قَبلَ أنْ يتمَّ نزولُ الكتابِ المُهيمنِ ويَكملَ الدينُ، فيعرفَ بهِ (٢) الصِدق مِن الكَذبِ. وَقيدَوا نَهي الحَديث الثالث، وما بعدهُ على تقديرِ الصحَةِ بحياتهِ - صلى الله عليه وسلم -، خَوفاً مِن تَشعبِ الأَمرِ قبلَ تقررِ / ١١٠ ب / الدِينِ باتباعِ مَا لم يأذَنْ بهِ اللهُ، أو ما نَهى الله عَنهُ، وَلفظُ الدارمِي ظاهِرٌ في ذلك، وفِراراً منْ دخولِ اللَبسِ على مِن كانَ يقولُ عِناداً: إنَّما يُعلمُهُ بشر، أو التسبب في وجدانِ المَطعنِ لَهُم بأنْ يقولُوا: إنَّهُ يتعلمُ مِن أهلِ الكِتابِ، فَلمَّا تقررَ الشَرعُ، وكَملَ الدينُ، وَتمَّ إنزالُ الكتَابِ مُهيمناً على كُلِّ كتابٍ، زالت هَذهِ الاحتمالاتُ كُلُها.

وأما غَضبُهُ وتغيرُ وَجهِه - صلى الله عليه وسلم - فَقد يكونُ مِن فعلِ المكروهِ، بَل ومن خِلافِ الأَولَى إذا صَدر مِن عالِي المرتبةِ، كتَطويلِ مُعاذٍ - رضي الله عنه - الصلاةَ، ومِنَ التَقصيرِ في فَهمِ الأَمرِ الواضِحِ، كَالذي سَألَ عَن ضَالةِ الأبلِ، بَل ولمجردِ الوعظِ، ونَحو ذلِكَ، واللهُ الهادِي.

قالَ شيخُنا شَيخُ الإسلامِ ابنُ حَجرٍ في أواخرِ شَرحهِ للبخَارِي - بعدَ أنْ ذكرَ بعضَ (٣) ما ذَكرَه أصحابُ الشَافِعي في الزجرِ عَن استفتاءِ الكتابيين كَما هوَ مشهورٌ في بابِ الأحداثِ، وفي بابِ السِيرِ -: ((والأولَى في هَذهِ المسألةِ التَفرقةُ بينَ مَن لَم يتمكنْ، ويصير منَ الراسخينَ في الإيمانِ، فَلا يجوزُ لَه النَظرُ في شيء مِن ذلِكَ، بخِلافِ الراسِخِ فيجوزُ لهُ، ولا سيمَا عندَ الاحتياجِ إلى الرَدِّ على المخالِفِ،


(١) انظر: تفسير ابن كثير ٢/ ٦٨.
(٢) في (ب) و (أ): ((بها))، وأشار ناسخ (أ) إلى الصواب في الحاشية.
(٣) لم ترد في (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>