للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقالَ: لا يصحُّ؛ لأنَّهُ وَجبَ عليهِ التعليمُ وتعيّنَ بحكمِ الحالِ وهذا فاسدٌ؛ فإنَّهُ يجبُ عليهِ التعليمُ بعوضٍ لا مجاناً، فهوَ كما لو وجدَ مالكُ الطعامِ مضطراً في مخمصةٍ يجبُ عليهِ تسليمُ الطعامِ إليه، ولكنْ / ٢٣١ب / بعوضٍ، حتى لو باعَ صحَّ. وهذا النظرُ يجري في الإجارةِ كما يجري في الصداقِ)). انتهى.

فعُلِمَ من هذا أنّ التحديثَ شبيهٌ بتعليمِ القرآنِ؛ لأنَّهُ منْ نشرِ العلمِ وهو فرضُ كفايةٍ، وتارةً يشاركهُ في ما يحدثُ بهِ غيرُهُ، كمنْ سمعَ معهُ فلا يتعيّنُ عليهِ، وتارةً لا يوجدُ ذلكَ إلا عندَهُ فيتعيّنُ، ويجوزُ أَخذُ الأجرِ عليهِ على كلِ حالٍ؛ لأنَّهُ داخلٌ في الضابطِ الماضي ونقلَ الحافظُ عمادُ الدينِ إسماعيلُ بنُ كثيرٍ الدمشقيُّ الشافعيُّ في تاريخِهِ في سنةِ سبعينَ وأربعمئةٍ أنَّ الشيخَ أبَا إسحاقَ الشيرازيَّ أفتى أبا الحسينِ أحمدَ بنَ محمدِ بنِ النَّقُور بجوازِ أخذِها؛ لاشتغالِهِ بالإسماعِ عنِ التكسبِ (١).

وقولهُ: (ونحوهُ) (٢)، أي: مثل التدريسِ والأذانِ وتجهيزِ الموتى. هذا بيانُ إلحاقِ التحديثِ بما يجوزُ أخذُ الأجرةِ عليهِ، وأمّا بيانُ كونهِ مفارقاً لهُ منْ جهةِ أنَّهُ يخرمُ المروءةَ دونَ ما أُلحقَ بهِ، فلأنَّ ما أُلحقَ بهِ جَرتِ العادةُ فيهِ (٣) بأخذ العوضِ عليهِ وشاعَ، بحيثُ أنَّهُ صارَ لا يعدُ خارماً للمروءةِ.


(١) من قوله: ((ونقل الحافظ عماد الدين ... )) إلى هنا من (ف) فقط، ونص الترجمة من كتاب البداية والنهاية لابن كثير ١٦/ ٦٧ طبعة التركي: ((أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله، أبو الحسين بن النَّقور البزاز، أحد المسندِين المعمرين، تفرَّد بنسخ كثيرة عن ابن حبابة، عن البغوي، عن أشياخِه؛ كنسخة هدبة، وكامل بن طلحة، وعمر بن زُرارة، وأبي السكن البلدي، وكان مكثراً متحرِّياً، وكان يأخُذُ على إسماع حديث طالوت بن عبَّاد ديناراً، وقد أفتاه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي بجواز أخذ الأجرة على إسماع الحديث؛ لاشتغاله به عن الكسب. توفي عن تسع وثمانين سنة، رحمه الله تعالى))، وانظر في ترجمة ابن النقور: تاريخ بغداد ٤/ ٣٨١، والمنتظم ١٦/ ١٩٣، وسير أعلام النبلاء ١٨/ ٣٧٢، والوافي بالوفيات ٨/ ٣٥.
(٢) شرح التبصرة والتذكرة ١/ ٣٦٥.
(٣) لم ترد في (ف).

<<  <  ج: ص:  >  >>