للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (هو أو غيرُهُ لم يَجُزْ) (١) أي: وإن جازت الرواية بالمعنى، كما قال ابن الصلاح (٢). وقد يُسأل عن علة ذلك، فإن قيل: إنّها الخوف من أن يُتهم بأنّه زاد فيه لو رواه بعد ذلك تاماً. فالخوف من أن يُتهم بأنّه زاد أوّل مرةٍ إذا رواه ثانياً ناقصاً موجودٌ. وقد يقالُ: إنّما ذلكَ لأجلِ الخوفِ من أنَّه قد يموتُ قبلَ أنْ يُحدِّثَ به تاماً، فَيفُوتَ بذلك حكمٌ من الأحكامِ أو نحو ذلك.

قوله: (إنْ أَتَمَّ مرَّةً ما، منهُ أو من غيرِهِ) (٣) مُقيّدٌ بمن لا يُتّهمُ. أمّا مَن يَخشَى ذلكَ، فسيأتي أنَّهُ إذا رواهُ تامَّاً لا يسوغُ له بعدَ ذلكَ أن يروَيهُ ناقصاً؛ لِئلا يُظَنَّ به ظنّ السوءِ (٤).

قولُهُ: (لأنَّ ذلكَ بمنزِلةِ) (٥) عبارةُ ابنِ الصَّلاحِ بعدَ ما تقدَّمَ: ((لأنَّ الذي نَقلَهُ والذي تركَهُ - والحالَةُ هذهِ - بمنزلَةِ خَبَرَينِ منفصلينِ في أمرينِ لا تَعَلُّقَ لأحدِهِما


(١) شرح التبصرة والتذكرة ١/ ٥١٠.
(٢) معرفة أنواع علم الحديث: ٣٢٤.
(٣) شرح التبصرة والتذكرة ١/ ٥١٠.
(٤) قال الخطيب في " الكفاية ": ١٩٣: ((وإنْ خاف من روى حديثاً على التمام، إذا أراد روايته مرة أخرى على النقصان لمن رواه له قبل تاماً، أن يتهمه بأنه زاد في أول مرة مالم يكن سمعه، أو أنه نسي في الثاني باقي الحديث؛ لقلة ضبطه وكثرة غلطه، وجب عليه أن ينفي هذه الظنة عن نفسه؛ لأنّ في الناس من يعتقد في رواية الحديث كذلك أنه ربما زاد في الحديث ما ليس منه، وأنّه يغفل ويسهو عن ذكر ما هو منه، وأنّه لا يؤمن أن يكون أكثر حديثه ناقصاً مبتوراً، فمتى ظنَّ الراوي اتهام السامع منه بذلك، وجب عليه نفيه عن نفسه)).
وقال أبو الفتح سليم الرازي: ((إن من روى بعض الخبر، ثم أراد أن ينقل تمامه، وكان ممَّن يتهم بأنّه زاد في حديثه، كان ذلك عذراً له في ترك الزيادة وكتمانها)).
انظر: البحر المحيط ٤/ ٣٦٢، ومعرفة أنواع علم الحديث: ٣٢٥، والمقنع ١/ ٣٧٧، وشرح صحيح مسلم للنووي ١/ ٥٢، وشرح التبصرة ١/ ٥١٠.
(٥) شرح التبصرة والتذكرة ١/ ٥١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>