للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد سَلَكَ البُخاريُّ هذا المسلَكَ (١)، لكنْ معَ خَفاءِ الإشارةِ كعادتهِ. فيذكرُ السَّندَ، وقليلاً منْ أولِ أحاديثِ الصحيفةِ، ثمّ يذكرُ مُرادَهُ منْ غيرِ بيانٍ كما قالَ في كتابِ الطّهارةِ (٢): حَدَّثَنا أبو اليمَانِ، قالَ: أخبرَنَا شُعَيبٌ، قالَ: أخبرَنا أبو الزِّنَادِ: أنَّ عبدَ الرحمانِ بنَ هُرمُز الأعرجَ حدَّثه [أنَّه سمِعَ أبا هريرةَ] (٣): أنَّهُ سمعَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: ((نحنُ الآخِرونَ السابقونَ) وبإسنادهِ قالَ: ((لا يَبولنَّ أحدُكُم في الماءِ الدائمِ الذي لا يَجري ثُمَّ يغتسلُ فيهِ)).

وأوقعَ ذلكَ بعضَ الشارحينَ في وهمٍ، وهو أنَّهُ ظنَّ أنَّهُ إنما ذَكرَ ((نحنُ الآخرونَ)) لمناسبةٍ لَهُ بالبابِ وتمحّل مناسبة بعيدة وهي: أنَّهُ لا فرقَ في استعمالِ الماءِ بينَ أولهِ وآخرهِ، أو نحوَ ذلكَ (٤).

قولهُ: (الخلافُ في إفرادِ) (٥)، أي: جوازُ إفرادِ كُلِّ حديثٍ، بل المانعُ لهُ أنْ يَطَّرِدَ الخلافُ فيه فيقولَ: لا تجوزُ روايتهُ بخصوصهِ بذلكَ السندِ مفرداً.


(١) قال الزركشي في " نكته " ٣/ ٦٢٩: ((واعلم أن البخاري - رحمه الله تعالى - قد صنع ما يقتضي الاحتياط في ذلك، فأشكل على الناس (ثم ذكر الحديث الآتي وقال عقبه) فكأن البخاري سمعه من أبي اليمان في الأول مردفاً عليه قائلاً: وبإسناده حديث البول فأورده كما سمعه، ولو ذكر حديث البول بالسند لأوهم أنه سمعه بالسند ولم يقع ذلك ... وهذا الاحتياط يحتمل أن يكون للورع والخروج من الخلاف المذكور، ويحتمل أن يكون من مذهب البخاري أنه لا يجوز)).
(٢) صحيح البخاري ١/ ٦٨ - ٦٩ (٢٣٨) و (٢٣٩).
(٣) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " صحيح البخاري ".
(٤) هذا الشرح نقله الكرماني عن بعض علماء عصره. وانظر المناقشات عن هذا الصنيع: عمدة القاري ٣/ ١٦٦، وفتح الباري ١/ ٤٥٠.
(٥) شرح التبصرة والتذكرة ٢/ ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>