للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون مراده إلا الدنيا، واللَّه تعالى قد علّق السعادة بإرادة الآخرة، والشقاوة بإرادة الدنيا، فإذا تجرّدت الإرادتان تجرّد موجبهما ومقتضاهما، وإن اجتمعتا فحكم اجتماعهما حكم اجتماع البر والفجور والطاعة والمعصية والإيمان والشرك في العبد.

وقد قال تعالى لخير الخلق بعد الرسول : ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [آل عمران: ١٥٢]، وهذا خطاب للذين شهدوا معه الوقعة ولم يكن فيهم منافق، ولهذا قال عبد اللَّه بن مسعود: "ما شعرت أن أحدَا من أصحاب رسول اللَّه يريد الدنيا حتى كان يوم أحد ونزلت هذه الآية" (١).

والذين أرادوا في هذه الآية هم الذين أخلوا مركزهم الذي أمرهم رسول اللَّه بحفظه وهم من خيار المسلمين، ولكن هذه إرادة عارضة حملتهم على ترك المركز والإقبال على كسب الغنائم، بخلاف من كان مراده بعمله الدنيا وعاجلها، فهذه الإرادة لون وإرادة هؤلاء لون.

وههنا أمر يجب التنبّه له، وهو: أنه لا يمكن إرادة الدنيا وعاجلها بأعمال البر دون الآخرة مع الإيمان باللَّه ورسوله ولقائه أبدًا، فإن الإيمان باللَّه والدار الآخرة يستلزم إرادة العبد وجه اللَّه والدار الآخرة بأعماله،


(١) رواه ابن جرير في "تفسيره" (٤/ ١٣٠)، وابن أبي عاصم في "الزهد" رقم (٢٠٣)، والطبراني في "الأوسط" رقم (١٣٩٩).
ورواه بمعناه: أحمد في "المسند" (١/ ٤٦٣)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" رقم (٣٦٧٨٣).
وصححه السيوطي في "الدر المنثور" (٢/ ٣٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>