الباب الثالث عشر في بيان أن الإنسان لا يستغني عن الصبر في حال من الأحوال (١)
ما دام قلم التكليف جاريًا عليه لا يستغني عن الصبر في حال من الأحوال، فإنه بين أمر يجب امتثاله وتنفيذه، ونهي يجب عليه اجتنابه وتركه، وقدر يجب عليه الصبر عليه اتفاقًا، ونعمة يجب عليه شكر المنعم عليها؛ وإذا كانت هذه الأحوال لا تفارقه فالصبر لازم له إلى الممات.
وكل ما يلقى العبد في هذه الدار لا يخلو من نوعين:
أحدهما: يوافق هواه ومراده.
والآخر: يخالفه.
وهو يحتاج إلى الصبر في كل منهما.
أما النوع الموافق لغرضه: كالصحة، والسلامة، والجاه، والمال، وأنواع الملاذّ المباحة، وهو أحوج شيء إلى الصبر فيها من وجوه:
أحدها: أن لا يركن إليها، ولا يغترّ بها، ولا تحمله على البطر والأشر والفرح المذموم الذي لا يحب اللَّه أهله.
الثاني: أن لا ينهمك في نيلها ويبالغ في استقصائها، فإنها تنقلب إلى أضدادها، فمن بالغ في الأكل والشرب والجماع انقلب ذلك إلى ضده، وحرم الأكل والشرب والجماع.
(١) انظر في ذلك أيضًا: "إحياء علوم الدين" (٤/ ٥٩، ٦٠، ٦١، ٦٢).