ومما ينبغي أن يعلم أن كل خصلة من خصال الفضل فقد أحل اللَّه سبحانه رسوله في أعلاها، وخصه بذروة سنامها، فإذا احتجت بحاله فرقة من فرق الأمة -التي تفرقت تلك الخصال وتقاسمتها- على فضلها على غيرها، أمكن الفرقة الأخرى أن تحتج به على فضلها أيضًا.
فإذا احتجّ به الغزاة والمجاهدون على أنهم أفضل الطوائف، احتجّ به العلماء والفقهاء على مثل ما احتج به أولئك.
وإذا احتجّ به الزهاد والمتخلّون عن الدنيا على فضلهم، احتج به الداخلون في الدنيا والولاية وسياسة الرعية لإقامة دين اللَّه، وتنفيذ أمره.
وإذا احتج به الفقير الصابر، احتج به الغنى الشاكر.
وإذا احتج به العبّاد على فضل نوافل العبادة وترجيحها، احتجّ به العارفون على فضل المعرفة.
وإذا احتج به أرباب التواضع والحلم، احتج به أرباب العز والقهر للمبطلين والغلظة عليهم والبطش بهم.
وإذا احتج به أرباب الوقار والهيبة والرزانة، احتج به أرباب الخُلُق الحسن والمزح المباح الذي لا يخرج عن الحق وحسن العشرة للأهل والأصحاب.
وإذا احتج به أصحاب الصدع بالحق والقول به في المشهد والمغيب، احتج به أصحاب المداراة والحياء والتكرم أن يبادروا (١)
(١) في الأصل: "يبادوا" -بسقوط الراء-، والتصويب من النسخ الثلاث الأخرى.