للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يوضح هذا: أن اللَّه سبحانه امتحن العبد بنفسه وهواه وأوجب عليه جهادهما في اللَّه، فهو كل وقت في مجاهدة نفسه حتى يأتي بالشكر المأمور به، ويصبر عن الهوى المنهي عن طاعته، فلا ينفك العبد عنهما، غنيًّا كان أو فقيرًا، معافى أو مبتلى.

وهذه هي مسألة الغنيّ الشاكر والفقير الصابر أيهما أفضل؟

وللناس فيها ثلاثة أقوال: وهي التي حكاها أبو الفرج (١) وغيره في عموم الصبر والشكر أيهما أفضل، وقد احتجت كل فرقة بحجج وأدلة على قولها.

والتحقيق أن يُقال: أفضلهما أتقاهما للَّه، فإن فُرض استواؤهما في التقوى استويا في الفضل، فإن اللَّه سبحانه لم يُفضل بالفقر والغنى كما لم يُفضّل بالعافية والبلاء، وإنما فَضّل بالتقوى، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: ١٣].

وقد قال : "لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى، الناس من آدم، وآدم من تراب" (٢).


(١) يعني ابن الجوزي، كما سبق.
(٢) الحديث هكذا لم أجده.
إنما أخرجه أحمد في "مسنده" (٥/ ٤١١) عن أبي نضرة عمن سمع خطبة رسول اللَّه به، دون قوله: "الناس من آدم وآدم من تراب". وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" برقم (٢٧٠٠).
أما الجملة الأخيرة، فرواها أبو داود في "سننه" رقم (٥١١٦)، والترمذي في "جامعه" رقم (٣٢٧٥)، من حديث ابن عمر مرفوعًا: "والناس بنو آدم، وخلق اللَّه آدم من تراب". وقال الترمذي: "حديث غريب لا نعرفه من حديث =

<<  <  ج: ص:  >  >>