للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتقوى مبنية على أصلين: الصبر والشكر، وكل من الغني والفقير لا بد له منهما، فمن كان صبرُه وشكرُه أتمّ كان أفضل.

فإن قيل: فإذا كان صبر الفقير أتمّ وشكر الغني أتمّ فأيهما أفضل؟

قيل: أفضلهما أتقاهما للَّه في وظيفته ومقتضى حاله، ولا يصح التفضيل بغير هذا ألبتة، فإن الغني قد يكون أتقى للَّه في شكره من الفقير في صبره، وقد يكون الفقير أتقى للَّه في صبره من الغني في شكره، فلا يصح أن يقال: هذا بِغِناه أفضل ولا هذا بفقره أفضل.

ولا يصح أن يقال: هذا بالشكر أفضل من هذا بالصبر، ولا بالعكس، لأنهما مطيّتان للإيمان لا بد منهما، بل الواجب أن يقال: أقومهما بالواجب والمندوب هو الأفضل، فإن التفضيل تابع لهذين الأمرين، كما قال تعالى في الأثر الإلهي: "وما تقرّب إليّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه" (١).

فأيّ الرجلين كان أقوم بالواجبات وأكثر نوافل كان أفضل.

فإن قيل: فقد ثبت عن النبي أنه قال: "يدخل فقراء أمّتي الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم، وذلك خمسمائة عام" (٢).


= عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر إلا من هذا الوجه".
(١) رواه البخاري في "صحيحه" رقم (٦٥٠٢)، من حديث أبي هريرة نحوه.
(٢) رواه أحمد في "المسند" ٢/ ٣٤٢، والترمذي في "جامعه" رقم (٢٣٥٤)، وابن ماجه في "سننه" رقم (٤١٢٢)، من حديث أبي هريرة . وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح".

<<  <  ج: ص:  >  >>