للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل: هذا لا يدل على فضلهم على الأغنياء في الدرجة وعلوّ المنزلة وإن سبقوهم في الدخول، فقد يتأخر الغنيّ والسلطان العادل في الدخول لحسابه، فإذا دخل كانت درجته أعلى ومنزلته أرفع، كما يسبق الفقير القَفَل (١) في المضايق وغيرها، ويتأخر صاحب الأحمال بعده (٢).

فإن قيل: فقد قال للفقراء لما شكوا إليه زيادة عمل الأغنياء عليهم بالعتق والصدقة: "ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه أدركتم به من سبقكم" فدلّهم على التسبيح والتحميد والتكبير عقيب كل صلاة، فلما سمع الأغنياء ذلك عملوا به، فذكروا ذلك للنبي : فقال: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ (٣) [الحديد: ٢١].

وهذا يدل على ترجيح حال الغني الشاكر.

قيل: هذا حجة للقول الذي نصرناه، وهو: أن أفضلهما أكثرهما نوافل، فإن استويا استويا وهاهنا قد ساوى الأغنياء الفقراء في أعمالهم المفروضة والنافلة، وزادوا عليهم بنوافل العتق والصدقة، ففضلوهم بذلك، فساووهم في صبرهم على الجهاد والأذى في اللَّه والصبر على المقدور، وزادوا عليهم بالشكر بنوافل المال، فلو كان للفقراء بصبرهم نوافل تزيد على نوافل الأغنياء لفضلوهم بها.

فإن قيل: فالنبي عرضت عليه مفاتيح كنوز الدنيا فردّها، وقال:


(١) القَفَل بمعنى القافلة، انظر "لسان العرب" (١١/ ٥٦٠).
(٢) في الأصل: "بعدها": والتصويب من النسخ الأخرى.
(٣) رواه مسلم في "صحيحه" رقم (٥٩٥) من حديث أبي هريرة .
ورواه البخاري في "صحيحه" رقم (٨٤٣) دون فوله: "فلما سمع الأغنياء. . . " الخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>