للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الباب الثاني عشر في الأسباب التي تعين على الصبر]

لما كان الصبر مأمورًا به جعل اللَّه سبحانه له أسبابًا تعين عليه وتوصل إليه، وكذلك ما أمر اللَّه سبحانه بأمر إلا أعان عليه ونصب له أسبابًا تمدّه وتُعين عليه (١)، كما أنه ما (٢) قدّر داءً إلا قدّر له دواءً، وضمن الشفاء باستعماله.

فالصبر وإن كان شاقًّا كريهًا على النفوس فتحصيله ممكن، وهو يتركب من مفردين: العلم والعمل، فمنهما تُركب جميع الأدوية التي تُداوى بها القلوب والأبدان، فلا بدَّ من جزء علمي وجزء عملي، فمنهما يركب هذا الدواء الذي هو أنفع الأدوية.

فأما الجزء العلمي فهو إدراك ما في المأمور من الخير والنفع واللذة والكمال، وإدراك ما في المحظور من الشرِّ والضرِّ والنقص، فإذا أدرك هذين العلمين كما ينبغي أضاف إليهما العزيمة الصادقة والهمَّة العالية والنّخوة والمروءة الإنسانية، وضم هذا الجزء إلى هذا الجزء. ومتى فعل ذلك حصل له الصبر وهانت عليه مشاقُّه وحَلَت له مرارته وانقلب ألمه لذة.

وقد تقدم أن الصبر: "مصارعةُ باعث العقل والدين لباعثِ الهوى والنفس" (٣)، وكل متصارعين أردنا أن يغلب أحدهما على الآخر،


(١) جملة: "تمده وتعين عليه"، ساقطة من الأصل.
(٢) ساقطة من الأصل.
(٣) انظر ص ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>