للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

وأما اللئيم فإنه يصبر اضطرارًا، فإنه يحوم حول ساحة الجزع فلا يراها تُجدي عليه شيئًا فيصبر صبر الموثق للضرب.

وأيضًا فالكريم يصبر في طاعة الرحمن، واللئيم يصبر في طاعة الشيطان؛ فاللئام أصبر الناس في طاعة أهوائهم وشهواتهم، وأقل الناس صبرًا في طاعة ربهم؛ فيصبر على البذل في طاعة الشيطان أتم صبر، ولا يصبر على البذل للَّه في أيسر شيء، ويصبر على تحمّل المشاق لهوى نفسه في مرضاة عدوه، ولا يصبر على أدنى المشاق في مرضاة ربه، ويصبر على ما يُقال في عِرضِه في المعصية، ولا يصبر على ما يقال في عرضه إذا أوذي في اللَّه، بل يفِرُّ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خشيةَ أن يُتكلّم في عرضه في ذات اللَّه، ويبذل عرضَه في هوى نفسه (١) صابرًا على ما يُقال فيه، وكذلك يصبر على التبذل بنفسه وجاهه في هوى نفسه ومراده، ولا يصبر على التبذل للَّه في مرضاته وطاعته،.

فهو أصبر شيء على البذل والتبذل في طاعة الشيطان أو مراد النفس، وأعجز شيء عن الصبر على ذلك في اللَّه. وهذا أعظم اللؤم، ولا يكون صاحبه كريمًا عند اللَّه، ولا يقوم مع أهل الكرم إذا نودي بهم يوم القيامة على رؤوس الأشهادْ لَيَعْلَمَنّ (٢) أهلُ الجمع من أولى بالكرم اليوم، أين المتقون؟


(١) في (م) و (ن) بعدها: "ومراده"، وفي (ب): "ومرضاته".
(٢) في (م) و (ن): ليعلم. وليست في (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>