للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل في ذكر أمثلة تبيّن حقيقة الدنيا

المثال الأول: للعبد ثلاثة أحوال:

حالة لم يكن فيها شيئًا، وهي ما قبل أن يوجد.

وحالة أخرى وهي من ساعة موته إلى ما لا نهاية له في البقاء السرمد، فلنفسه وجود بعد خروجها من البدن: إما في الجنة، وإما في النار، ثم تعاد إلى بدنه فيجازى بعمله، ويسكن إحدى الدارين في خلود دائم.

ثم بين هاتين الحالتين -وهي ما قبل وجوده وما بعد موته- حالة متوسطة وهي أيام حياته في الدنيا فلينظر (١) إلى مقدار زمانها وانسبه إلى الحالتين تعلم أنه أقل من طرفة عين في مقدار عمر الدنيا.

ومن رأى الدنيا بهذه العين لم يركن إليها، ولم يبالِ كيف تقضت أيامه فيها في ضرّ وضيق أو سعة ورفاهية.

ولهذا لم يضع رسول اللَّه لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة وقال: "ما لي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب قال في ظلّ شجرة ثم راح وتركها" (٢).

وقال: "ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه في اليمّ فلينظر بم يرجع" (٣).


(١) بقية النسخ: "فانظر".
(٢) سبق تخريجه ص: (٣٢٩).
(٣) سبق تخريجه ص: (٣٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>