للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الباب الحادي عشر في الفرق بين صبر الكرام وصبر اللئام]

كلُّ أحد لا بد أن يصبر على بعض ما يكره إما اختيارًا وإما اضطرارًا، فالكريم يصبر اختيارًا لعلمه بحسن عاقبة الصبر، وأنه يحمد عليه ويُذم على الجزع، وأنه إن لم يصبر لم يرُدَّ الجزعُ عليه فائتًا، ولم ينزع عنه مكروهًا، وأن المقدور لا حيلة في دفعه، وما لم يقدّر لا حيلة في تحصيله، فالجزع خوف محض ضرُّه أقرب من نفعه، قال بعض العقلاء: "العاقل عند نزول المصيبة يفعل ما يفعلُه الأحمق بعد شهر"، كما قيل:

رأى الأمر يُفضي إلى آخِر … فصيّر آخرَه أولًا (١)

فإذا كان آخر الأمر الصبر، والعبد غير محمود، فما أحسن به أن يستقبل الأمر في أوله بما يستدبره به الأحمق في آخره.

وقال بعض العقلاء: "من لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم" (٢).

فالكريم ينظر إلى المصيبة، فإن رأى الجزع يردُّها ويدفعها فهذا قد ينفعه الجزع، وإن كان الجزع لا ينفعه فإنه يجعل المصيبة مصيبتين.


(١) عجز البيت في الأصل: "فصيره أولًا". والتصويب من (م) و (ن).
[البيت لمحمود الوراق في طبقات الشعراء لابن المعزّ، وينسب إلى علي بن أبي طالب انظر تخريجه في ديوان محمود] (ص).
(٢) هذا القول منسوب لعلي بن أبي طالب . انظر: "التذكرة الحمدونية" (٤/ ٢١٠)، و"العقد الفريد" (٣/ ٢٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>