للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجْدُ على يوسف والشوقُ إليه أن قال: ﴿يَاأَسَفَى (١) عَلَى يُوسُفَ﴾ [يوسف: ٨٤] فلم يكن عدمُ صبره عنه منافيًا لقوله ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ فإن الصبر الجميل هو الذي لا شكوى معه، ولا تنافيه الشكوى إلى اللَّه، فإنه قد قال: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾ [يوسف: ٨٦] واللَّه سبحانه أمر رسوله بالصبر الجميل، وقد امتثل ما أمر به وقال: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي" الحديث (٢) (٣).

وأما قول بعضهم: "إن الصبر الجميل أن يكون صاحب المصيبة في القوم لا يدرى من هو" (٤) فهذا من الصبر الجميل، لا أن متفقده فَقَد (٥) الصبر الجميل، فإن ظهور أثر المصيبة على العبد مما لا يمكن دفعُه البتة، وباللَّه التوفيق.

وزاد بعضهم في الصبر قسمًا آخر، وسمّاه: الصبر على الصبر، وقال: هو أن يستغرق في الصبر حتى يعجز الصبر عن الصبر؛ كما قيل:

صابَرَ الصَّبرَ فاستغاثَ بِهِ الصَّبْـ … ــــرُ فصاحَ المُحبُّ بالصبرِ صَبْرًا (٦)

وليس هذا خارجًا عن أقسام الصبر، وإنما هو المرابطة على الصبر، والثبات عليه، واللَّه أعلم.


(١) في الأصل: "واأسفا".
(٢) سبق تخريجه ص ٢٢.
(٣) ذكر الاستدلال بقصة يعقوب : القشيري في "رسالته" ص ٢٦٠، نقلًا عن أبي علي الدقاق.
(٤) ذكر هذا القول: القشيري في "رسالته" ص ٢٥٨، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (١٨/ ١٨٤).
(٥) في الأصل: "صبر"، وهو سهو.
(٦) القول مع البيت في "الرسالة" ص ٣٢٦، وانظر: "اللمع" للطوسي ص ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>