للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الباب الرابع عشر في بيان أشق الصبر على النفوس (١)

مشقة الصبر بحسب قوة الداعي إلى الفعل وسهولته على العبد، فإذا اجتمع في الفعل هذان الأمران كان الصبر عنه أشق شيء على الصابر، وإن فُقدا معًا سهُل الصبر عنه، وإن وجد أحدهما وفُقِد الآخر سهُل الصبر من وجه وصعُب من وجه.

فمن لا داعي له إلى القتل والسرقة وشرب المسكر وأنواع الفواحش ولا هو سهل عليه، فصبره عنه من أيسر شيء وأسهله.

ومن اشتد داعيه إلى ذلك وسهل عليه فعله، فصبره عنه أشق شيء عليه، ولهذا كان صبر السلطان على الظلم، وصبر الشاب عن الفاحشة، وصبر الغنى عن تناول اللذات والشهوات عند اللَّه بمكان. وفي "المسند" وغيره عن النبي : "عجب ربك من شاب ليست له صبوة" (٢).

ولذلك استحق السبعة المذكورون في الحديث أن يظلهم اللَّه في ظل عرشه لكمال صبرهم ومشقته، فإن صبر الإمام المتسلط على العدل في قسمه وحكمه ورضاه وغضبه، وصبر الشاب على عبادة اللَّه ومخالفة


(١) سبق الإمام ابن القيم إلى بيان هذا الباب الإمام الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين" (٤/ ٦١) فراجعه إن شئت.
(٢) "المسند" (٤/ ١٥١) نحوه.
وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" برقم (٢٨٤٣).
وصبوة أي: ميل إلى الهوى، وهي المرّة منه. "النهاية" لابن الأثير (٣/ ١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>