للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الباب العاشر في انقسام الصبر إلى محمود ومذموم]

الصبر ينقسم إلى قسمين: قسم مذموم، وقسم ممدوح (١).

فالمذموم: الصبر عن اللَّه وإرادته ومحبته وسير القلب إليه، فإن هذا الصبر يتضمن تعطيل كمال العبد بالكلية وتفويت ما خُلِق له.

وهذا كما أنه أقبح الصبر فهو أعظمُه وأبلغُه، فإنه لا صبر أبلغ من صبر من يصبر عن محبوبه الذي لا حياة له بدونه البتة، كما أنه لا زهد أبلغ من زهد الزاهد فيما أعد اللَّه لأوليائه من كرامته ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر. فالزهد (٢) في هذا أعظم أنواع الزهد وأبلغها.

كما قال رجل لبعض الزاهدين وقد تعجب من زهده: ما رأيت أزهد منك! فقال: أنت أزهد مني؛ أنا زهدت في الدنيا وهي لا بقاء لها ولا وفاء، وأنت زهدت في الآخرة، فمن أزهد منا؟! (٣).

قال يحيى بن معاذ الرازي: "صبر المحبين أعجب من صبر الزاهدين، واعجبا كيف يصبرون؟ "


(١) استفاد الإِمام ابن القيم هذا التقسيم من الغزالي في "إحياء علوم الدين" (٤/ ٥٧، ٦٩)، إلا أن الإِمام ابن القيم أبرز هذا التقسيم وجلاه، وأضاف إليه من فوائده الجليلة.
(٢) في الأصل: فالزاهد، تحريف.
(٣) انظر هذه الحكاية في: "التذكرة الحمدونية" (١/ ١٤٩). وهي محكية عن الرشيد والفضيل بن عياض.
انظر: "الوافي بالوفيات" (٢٤/ ٦٠) في ترجمة الفضيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>