على الوجه الذي أمر اللَّه بها لم يكن للنهي عنها معنى، وإنما نهى عنها لمضادتها لأوامره وتعويقها لها وصدها عنها، فالنهي عنها من باب التكميل والتتمَّة للمأمور، فهو بمنزلة تنظيف طرق الماء (١) ليجري في مجاريه غير معوق.
فالأمر بمنزلة الماء الذي أُرسل في نهرٍ لحياة البلاد والعباد، والنهي بمنزلة تنظيف طرقه ومجراه وتنقيتها ممّا يعوّق الماء. والأمر بمنزلة القوَّة والحياة، والنهي بمنزلة الحمية الحافظة للقوة والدواء الخادم لها.
قالوا: فإذا تبيَّن أن فعل المأمور أفضل، فالصبر عليه أفضل أنواع الصبر، وبه يسهل عليه الصبر عن المحظور والصبر على المقدور، فإن الصبر الأعلى يتضمن الصبر الأدنى دون العكس.
وقد ظهر لك من هذا: أن الأنواع الثلاثة متلازمة، وكل نوع منها يُغني عن النوعين الآخرين، وإن كان من الناس مَن قوةُ صبره على المقدور فإذا جاء الأمر والنهي فقدة صبره هناك ضعيفة، ومنهم من هو بالعكس من ذلك، ومنهم من قوة صبره في جانب الأمر أقوى، ومنهم من هو بالعكس، واللَّه أعلم.