للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هواه، وصبر الرجل على ملازمة المسجد، وصبر المتصدق على إخفاء الصدقة حتى عن بعضه، وصبر المدعو إلى الفاحشة مع جمال الداعي ومنصبه، وصبر المتحابين في اللَّه على [ذلك في حال اجتماعهما وافتراقهما، وصبر الباكي من خشية اللَّه على] (١) كتمان ذلك وإظهاره للناس، من أشق الصبر.

ولهذا كان عقوبة الشيخ الزاني والملك الكذاب والفقير المختال أشد العقوبة لسهولة الصبر عن هذه المحرمات عليهم لضعف دواعيها في حقهم، فكان تركهم الصبر عنها دليلًا على تمردهم على اللَّه وعتوهم عليه.

ولهذا كان الصبر عن معاصي اللسان والفرج من أصعب أنواع الصبر لشدة الداعي إليهما وسهولتهما، فإن معاصي اللسان فاكهة الإنسان؛ كالنميمة، والغيبة، والكذب، والمراء، والثناء على النفس تعريضًا وتصريحًا، وحكاية كلام الناس، والطعن على من يبغضه، ومدح (٢) من يحبه ونحو ذلك، فتتفق قوة الداعي وتيسر حركة اللسان، فيضعف الصبر، ولهذا قال لمعاذ: "أمسك عليك لسانك". فقال: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "وهل يكبّ الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟! " (٣).

ولا سيما إذا صارت المعاصي اللسانية معتادة للعبد، فإنه يعز عليه


(١) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، واستدركته من النسخ الثلاث الأخرى.
(٢) في الأصل: "وتعريض"، والمثبت من النسخ الثلاث الأخرى.
(٣) أخرجه الترمذي في "جامعه" رقم (٢٦١٦)، وقال: "حديث حسن صحيح"، وابن ماجه في "سننه" رقم (٣٩٧٣) نحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>