القدم إنما سميت قدم؛ لأنها تتقدم الإنسان، تتقدمه في المشي، لا يمكن المشي إلا إذا تقدمت الرجل على الأخرى، ثم الثانية على الأولى وهكذا، وهنا يقول: وقيل المراد بالقدم الفرط السابق، أي يضع الله فيها ما قدمه لها من أهل العذاب، قال الإسماعيلي: القدم قد يكون اسماً لما قدم، كما يسمى ما خيط من ورق خيطاً، فالمعنى ما قدموا من عمل، وقيل المراد بالقدم: قدم بعض المخلوقين فالضمير للمخلوق معلوم، أو يكون هناك مخلوق اسمه قدم، أو المراد بالقدم الأخير؛ لأن القدم آخر الأعضاء فيكون المعنى حتى يضع الله في النار آخر أهلها فيها، ويكون الضمير للمزيد.
لكن هذه كلها تأويلات يأباها السياق، تأويلات يأباها سياق الحديث، وكل هذا فرار من أن يثبت لله -جل وعلا- ما أثبته لنفسه، ولا شك أن هذا مجانب للصراط والمنهج الذي سار عليه سلف هذه الأمة وأئمتها.
يقول: وقال بن حبان في صحيحه: بعد إخراجه، هذا من الإخبار التي أطلقت بتمثيل المجاورة، وذلك أن يوم القيامة يلقى في النار من الأمم والأمكنة التي عُصي الله فيها فلا تزال تستزيد حتى يضع الرب فيها موضعاً من الأمكنة المذكورة فتمتلئ؛ لأن العرب تطلق القدم على الموضع، قال الله -جل وعلا-: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ} [(٢) سورة يونس] يريد موضع صدق، قال الداودي: المراد بالقدم قدم صدق وهو محمد -صلى الله عليه وسلم-، والإشارة بذلك إلى شفاعته وهو المقام المحمود .... إلى آخره.
ثم قال: وزعم ابن الجوزي أن الرواية التي جاءت بلفظ: الرجل تحريف من بعض الرواة؛ لظنه أن المراد بالقدم الجارحة، فرواها بالمعنى فأخطأ، ثم قال: ويحتمل أن يكون المراد بالرجل إن كانت محفوظة الجماعة، كما تقول: رجل من جراد، فالتقدير يضع فيها جماعة وأضافهم إليه إضافة اختصاص.
يعني إذا قال: رجله، الذي يضاف إلى الله -جل وعلا- ألا يقتضي تشريف المضاف، كبيت الله وناقة الله وما أشبه ذلك، هذا يقتضي التشريف، فأي شرف لمن يوضع في النار؟.