وقوله -جل وعلا-: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [(٢٤٩) سورة البقرة] فالكثرة لا يعول عليها، وإذا عرفنا هذا فالمعول على القوة المعنوية، وهي قوة الارتباط بالله -جل وعلا- وأما الكثرة في العَدد والعُدد فالوقائع والحوادث تشهد بأنها لا قيمة لها، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- في غزوة بدر المشركون ثلاثة أضعاف، ومع ذلك هزموا، وقتل منهم عدد كبير، وأسر عدد. وأيضاً في غير ذلك على مرِّ التاريخ بقدر تمسك المسلمين بدينهم وتمسكهم وعملهم بأسباب النصر ينصرون على الأعداء، ولو قل العدد، ولو كثر عدد العدو، ومصداق ذلك في قول الله -جل وعلا-: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ} كم هذه للتقليل وإلا للتكثير؟ للتكثير، {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} يعني في وقائع كثيرة جداً حصل هذا، فئة قليلة تغلب فئة كثيرة بإذن الله؛ لأنهم عملوا بأسباب النصر، {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [(٧) سورة محمد] فإذا عملنا بأسباب النصر غلبنا أعداءنا مهما بلغ عددهم، ومهما بلغت عُددهم، {غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [(٢٤٩) سورة البقرة]. وهذه كسابقتها معية خاصة لمن اتصف بهذا الوصف، وهو الصبر بأنواعه، والله أعلم, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.