على كل حال الشخص هذا لا شك أنه صاحب هوى، وإلا لو نظر بعين البصيرة في فتاوى الشيخ -رحمه الله- لوجدها من أعدل الأقوال، يعني نابعة من نصوص الكتاب والسنة.
يقول: ذكرتم في اللقاء الماضي جمع شيخ الإسلام بين رواية ثلث الليل ورواية شطر الليل بأن رواية ثلث الليل قد يكون حسب من غروب الشمس ورواية شطر الليل قد يكون حسب من صلاة العشاء، ويقول: كتب الشيخ ابن عثيمين على الواسطية قوله: الليل يبتدي من غروب الشمس اتفاقاً، لكن حصل الخلاف في انتهائه هل يكون بطلوع الفجر أو بطلوع الشمس، والظاهر أن الليل الشرعي ينتهي بطلوع الفجر، والليل الفلكي ينتهي بطلوع الشمس، فكيف الجمع بين ما قاله شيخ الإسلام في مبدأ الليل، وبين ما قاله الشيخ -رحمه الله- اتفاقاً؟
هذا ليس فيه تعارض أبداً، يعني في قيام داود -عليه السلام- هل يمكن أن يقول شخص حتى ممن انضوى تحت هذا الاتفاق أن الليل يبدأ من غروب الشمس، يعني للإنسان أن ينام من غروب الشمس إلى منتصف الليل ويترك صلاة العشاء، هل في أحد يقول بهذا؟ ما يمكن أحد يقال بهذا إطلاقاً، بل الليل يبدأ من صلاة العشاء، ثم بعد ذلك من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر يقسمه نصفين، ينام نصفه ثم بعد ذلك يقوم الثلث ثم ينام السدس.
هذا يقول: الرسول -عليه الصلاة والسلام- أفضل من صلى وقام وصام وهديه خير هدي، ومع ذلك لا نجد هديه يوافق هدي داود -عليه السلام-، أفلا يكون تفضيل هدي داود من وجهٍ ما من الوجوه؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يقم قيام داود ولم يصم صيام داود، مع أن هذا أفضل الصيام وأفضل القيام، وقد حث النبي -عليه الصلاة والسلام- على أمور ولم يفعلها رفقاً بالأمة؛ لأنه لو فعل تظافر القول مع العمل لشق ذلك على الأمة مشقةً عظيمة، فليكن في الأمر سعة، يحث على الشيء، ويتركه لئلا يشق على أمته، وقد يفعل الشيء ويندم عليه لئلا يشق على أمته، فلا شك أن هديه -عليه الصلاة والسلام- أكمل هدي، لكن إذا مدح شيئاً فنحن المعنيون به، بغض النظر عن كونه فعله أو لم يفعله، فيكون فعله خاصاً به وقوله هو العام، والفعل لا عموم له عند أهل العلم.