فالإنسان يسدد ويقارب، فيجعل لأجر الحروف وقت، ويجعل أيضاً للتدبر وقت آخر، وإن كانت قراءته كلها بالتدبر، وإن كان يترتب على ذلك قلة في القراءة، فما يمنع من ذلك -في رأيي- مانع؛ لأنه عدولٌ من المفضول إلى الأفضل، وإن كان أقل في الكمية، إلا أنه أعظم في الكيفية.
فكون الإنسان يجلس بعد صلاة الصبح فبدلاً من أن يقرأ حزبه اليومي أربعة أجزاء ليختم في سبع لو قرأ جزء واحد بالتدبر والترتيل، وقرأه في كل شهر على هذه الطريقة، لا شك أن هذا أفضل، وإن كان أجر الحروف -المرتب على الحروف- أقل لكن الأجر المرتب بامتثال الأمر بالترتيل، والأمر بالتدبر أعظم، كما قرّر ذلك أهل العلم.
وذكرنا مراراً أن الخلاف بين أهل العلم في الأفضل: الإسراع في القراءة مع كثرة المقروء، أو التدبر والترتيل مع قلة المقروء؟ والجمهور على أن التدبر والترتيل ولو كان المقروء قليلاً أفضل من الإسراع، ولو كان المقروء كثيراً، وعند الشافعية العكس.
لكن المسألة مفترضة في شخصٍ يريد أن يجلس ساعة، يقول: أقرأ في هذه الساعة جزء أو خمسة أجزاء، أيهما أفضل؟ الجمهور يقول: تقرأ جزء على الوجه المأمور به أفضل من خمسة، وعند الشافعية يقولون: الخمسة أفضل؛ لأن الأجر فيها أعظم، الخمسة فيها نصف مليون حسنة، بينما الجزء الواحد فيه مائة ألف، كما هو معروف.
طالب:. . . . . . . . .
إيه يعني هل يحصل للحافظ فقط، أو لكل من يقرأ، ولو كانت قراءته نظر؟ هذه مسألة معروفة عند أهل العلم، بحثوها واختلفوا فيها، والذي يقول: أنه لا بد أن يكون حافظاً يقول: أنه في الآخرة ليس لديه مصحف، فلا بد أن يقرأ من حفظه، والذي يقول: أنه على حاله سواء كان من حفظه أو من مصحفه يؤيده قوله: ((كما تقرأ في الدنيا)).
وابن القيم -رحمه الله- يقرر أن أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته هم أهل العناية به، بقراءته، بفهمه، بالعمل به، بإقرائه، ولو لم يحفظوه، هذا كلام ابن القيم في زاد المعاد.