قوله تعالى:{فَكُلُوا مِنْهَا} [(٣٦) سورة الحج] أمر معناه الندب، وكل العلماء يستحب أن يأكل الإنسان من هديه، وفيه أجر وامتثال ...
وأوجبه أهل الظاهر، بناءً على أن الأصل في الأمر الوجوب.
إذ كان أهل الجاهلية لا يأكلون من هديهم كما تقدم، وقال أبو العباس بن سريك: الأكل والإطعام مستحبان، وله الاقتصار على أيهما شاء، وقال الشافعي: الأكل مستحب والإطعام واجب، فإن أطعم جميعها أجزاه، وإن أكل جميعها لم يُجزه، وهذا فيما كان تطوعاً فأما واجبات الدماء فلا يجوز أن يأكل منها شيئاً، حسبما تقدم بيانه.
العاشرة: قوله تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [(٣٦) سورة الحج] قال مجاهد وإبراهيم والطبري: قوله: {وَأَطْعِمُوا} أمر إباحة، و {الْقَانِعَ} السائل، يقال: قنع الرجل يقنع قنوعاً إذا سأل بفتح النون في الماضي وكسرها في المستقبل، يقنع قناعة فهو قنع إذا تعفف واستغنى ببلغته ولم يسأل، مثل: حمد يحمد قناعة وقنعاً وقنعانا قاله الخليل، ومن الأول قول الشماخ:
لمال المرء يصلحه فيغني ... مفاقره أعف من القنوع
وقال ابن السكيت: من العرب من ذكر القنوع بمعنى القناعة وهي الرضا والتعفف وترك المسألة، وروي عن أبي رجاء أنه قرأ (وأطعموا القنع) ومعنى هذا مخالف للأول ...
صيغة مبالغة، وهي أبلغ من القانع مثل حدث وحادث.
يقال: قنع الرجل فهو قنع إذا رضي، وأما المعتر فهو الذي يطيف بك يطلب ما عندك سائلاً كان أو ساكتاً وقال محمد بن كعب القرظي ومجاهد وإبراهيم والكلبي وحسن بن أبي الحسن: المعتر المعترض من غير سؤال، قال زهير:
على مكثريهم رزق من يعتريهم ... وعند المقلين السماحة والبذل
وقال مالك: أحسن ما سمعت أن القانع الفقير والمعتر الزائر، وروي عن الحسن أنه قرأ (والمعتري) ومعناه كمعنى المعتر، يقال: اعترَّه واعتراه وعرَّه وعراه إذا تعرض لما عنده أو طلبه ذكره النحاس.