أما الاستئناس فله دلالة غير دلالة الاستئذان، والترتيب في الاستئذان يدل على أنه غيره؛ لأن الاستئذان يحصل بقولك حتى تسلموا، الاستئناس قبل السلام، حتى تستأنسوا وتسلموا، وأما الاستئذان فهو بعد السلام، السلام عليكم، أأدخل؟ هذا الاستئذان، وأما الاستئناس فهو شيء قبله، قد يكون للاستعلام، هل في البيت أحد؟ أو هل فيه من يرغب الجلوس معك أو من لا يرغب؟ هل فيه من تكره أو من لا تكره؟ لأن بعض الناس إذا صار بينه وبين أحدٍ شيء في نفسه لا يطيق الجلوس معه، وهذا يزول بالاستئناس، بأن يستعلم في أول الأمر ثم يسلم ويستأذن، أما إذا دخل وفي المكان من لا يريد الجلوس معه، واضطر إلى أن يخرج، هذا أو هذا، هذا أمر ليس بالحسن، بل هو أمر مكروه في الشريعة، الشريعة جاءت بما يدل على الألفة والتحاب، وأنه لا تدخلوا الجنة حتى تحابوا، وهذا فيه النفرة الشديدة –نسأل الله العافية– وقد يكون الإنسان في نفسه على آخر شيء، لكن ما يبدي له شيء في وجهه مما يكره، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما واجه أحداً بسوء، قد يكون في النفس شيء، لكن لا يعني هذا أنه إذا كان في نفسه شيء يبديه في المحافل وفي المجالس ويبديه أمام صاحبه، يكتمه، {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [(١٣٤) سورة آل عمران] لا بد من هذا، فالاستئناس للاستعلام بوجود مثل هذا، ويدل له المآل، يدل لهذا الاستظهار المآل، وهو أنه لا يحصل الأنس قبل هذا الاستئناس، فيحصل أنه إذا دخل من غير استئناس، ومن غير استئذان أنه لا يحصل الأنس، بل يحصل الضيق والحرج وثقل المجلس.
ويتأنّى قدر ما يعلم أنه قد شعر به، ويدخل إثر ذلك، وقال معناه الطبري، ومنه قوله تعالى:{فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا} [(٦) سورة النساء] أي علمتم، وقال الشاعر:
آنست نبأة وأفزعها القنـ ... ـاص عصراً وقد دنا الإمساءُ
قلت: وفي سنن ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن واصل بن السائب عن أبي سورة عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قلنا: يا رسول الله، هذا السلام فما الاستئناس؟ قال:((يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة، ويتنحنح، ويُؤذِن أهل البيت))