نعم، هذا يطالب به المكلف، وليس معنى هذا أن يقرّ أولئك النسوة اللاتي يكشفهن عن رؤوسهن وصدروهن، لكن لكلٍ ما يخصه من الخطاب، فالرجل عليه أن يغض البصر، والمرأة عليها أن تستتر، وولي الأمر أن يأطر الناس على الحق، لا يترك النساء يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى ثم إذا تكلم أحد من الغيورين، قيل له: غض بصرك، هو مطالب بهذا بلا شك، لكن المرأة مطالبة بالستر، ولا يجوز لها أن تتبرج، وإذا تبرجت جاز لعنها على الجملة، فالأمر ليس مطالب به جهة واحدة، فلكلٍ من الجهات ما يخصه من الخطاب، الرجل عليه أن يغض البصر {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [(٣٠) سورة النور]، والمرأة عليها أن تستر، وتغض البصر عن الرجال، ولا تكن سبباً ومثاراً لفتنتهم، وولي الأمر ومن يملك الإنكار باليد عليه أن ينكر باليد، والذي يملك الإنكار باللسان يملكه باللسان، والذي لا يستطيع لا هذا ولا هذا ففي قلبه، ولا يترك الأمر هكذا، يترك النساء يلعبن بعقول الرجال بالتبرج المشين الفاضح المستورد الذي لا يليق بالمسلمات بحال، ثم بعد ذلك يطالب الرجال بالغض، نعم هم مطالبون بالغض، ولا أحد ينكر هذا، وهذا نص القرآن، لكن مع ذلك التبعة عليهن أكثر.
{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [(٣٠) سورة النور] وقال قتادة: عما لا يحل لهم، {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [(٣١) سورة النور] خائنة الأعين من النظر إلى ما نهي عنه.
الثانية: قوله تعالى: {مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [(٣٠) سورة النور].
هذه عادة البخاري -رحمه الله تعالى- أنه يفسر ما يتعلق بالمقام، وما له أدنى مناسبة بالحديث أو الأثر، فلما ذكر خبر سعيد بن أبي الحسن وقتادة قال: خائنة الأعين لأن لها تعلق بالموضوع، لها تعلق بالموضوع، لأن الإنسان قد يدعي أنه غض بصره، وهو يسارق النظر لما حرم الله عليه، فالله -جل وعلا- يعلم خائنة الأعين، التي تنظر إلى ما نهي عنه، ولو خفي ذلك على الناس، فإن الله -جل وعلا- لا تخفى عليه.