للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (من) زائدة، كقوله: {فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [(٤٧) سورة الحاقة]

وقيل: (من) للتبعيض، لأن من النظر ما يباح، وقيل: الغض: النقصان، يقال: غض فلان من فلان، أي وضع منه، فالبصر إذا لم يمكن من عمله فهو موضوع منه ومنقوص، فـ (من) صلة الغض، وليست للتبعيض ولا للزيادة.

وإذا قلنا: إن الغض هو إلغاء النظر في الكلية فقلنا: (من) للتبعيض؛ لأن المطلوب غض بعض البصر، لا جميع البصر؛ لأنه ليس المسلم مطالب بأن يمشي وقد أغمض عينيه بالكلية، فيقع في حفرة، أو في شيءٍ يضره، ليس مطالباً بهذا، وإنما مطالب أن يغض بصره بما يكفيه شر هذه المرأة المتبرجة التي ينظر إليها.

الثالثة: البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته، ووجب التحذير منه، وغضه واجب عن جميع المحرمات، وكل ما يخشى الفتنة من أجله، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: ((إياكم والجلوس على الطرقات)) فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بدّ نتحدث فيها، فقال: ((فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه)) قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: ((غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)) رواه أبو سعيد الخدري، خرجه البخاري ومسلم، وقال -صلى الله عليه وسلم- لعلي: ((لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الثانية)) وروى الأوزاعي قال: حدثني هارون بن رئاب أن غزوان وأبا موسى الأشعري كانا في بعض مغازيهم، فكشفت جارية فنظر إليها غزوان، فرفع يده فلطم عينه حتى نفرت، فقال: إنك للحاظة إلى ما يضرك ولا ينفعك، فلقي أبا موسى فسأله، فقال: ظلمت عينك، فاستغفر الله وتب، فإن لها أول نظرة، وعليها ما كان بعد ذلك.

حتى أول نظرة له ذلك إذا لم تكن فجأة من غير قصد، له ذلك، أما إذا كانت عن قصد، قاصداً النظرة الأولى وأدامها، فإن هذه لا شك أنه يؤاخذ عليها، لأنه نظر إلى عمل محرم بقصده، أما إذا كان فجأة من غير قصد، ثم صرف بصره عنها، فهذا هو المذكور في الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>