للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعلق من أوجبها بمطلق الأمر، وافعل بمطلقه على الوجوب، حتى يأتي الدليل بغيره، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس، واختاره الطبري، واحتج داود أيضاً بأن سيرين أبا محمد بن سيرين سأل أنس بن مالك الكتابة، وهو مولاه، فأبى أنس، فرفع عمر عليه الدرة، وتلا {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} فكاتبه أنس، قال داود: وما كان عمر ليرفع الدرة على أنس فيما له مباح ألا يفعله، وتمسك الجمهور بأن الإجماع منعقد على أنه لو سأله أن يبيعه من غيره لم يلزمه ذلك، ولم يجبر عليه، وإن ضوعف له في الثمن، وكذلك لو قال له: أعتقني أو دبرني أو زوجني، لم يلزمه ذلك بإجماع، فكذلك الكتابة لأنها معاوضة فلا تصح إلا عن تراض، وقولهم: مطلق الأمر يقتضي الوجوب صحيح، لكن إذا عري عن قرينةٍ تقتضي صرفه عن الوجوب، وتعليقه هنا بشرط علم الخير فيه، فعلق الوجوب على أمرٍ باطن، وهو علم السيد بالخيرية، وإذا قال العبد: كاتبني، وقال السيد: لم أعلم فيك خيراً، وهو أمر باطن، فيرجع فيه إليه، ويعول عليه، وهذا قوي في بابه.

الرابعة: واختلف العلماء في قوله تعالى: {خَيْرًا} فقال ابن عباس وعطاء: المال ...

يعني كما جاء في الوصية، إن ترك خيراً الوصية، المراد بها المال.

مجاهد: المال والأداء الحسن، والنخعي: الدين والأمانة، وقال مالك: سمعت بعض أهل العلم يقولون: هو القوة على الاكتساب والأداء ..

القدرة على كسب المال الذي يؤديه في مقابل مكاتبته، وإلا في الأصل هو لا مال له، ولا يملك عند الجمهور، وإن ملكه مالك بالتمليك.

وعن الليث نحوه وهو قول الشافعي، وقال عَبِيدَةُ السلماني: إقامة الصلاة والخير، قال الطحاوي: وقول من قال: إنه المال لا يصح عندنا؛ لأن العبد مال لمولاه، فكيف يكون له مال؟ والمعنى عندنا: إن علمتم فيهم الدين والصدق، وعلمتم أنهم يعاملونكم على أنهم متعبدون بالوفاء لكم، بما عليهم من الكتابة والصدق في المعاملة فكاتبوهم، وقال أبو عمر: من لم يقل إن الخير هنا المال أنكر أن يقال: إن علمتم فيهم مالاً، وإنما يقال: علمت فيه الخير والصلاح والأمانة، ولا يقال: علمت فيه المال، وإنما يقال: علمت عنده المال.

<<  <  ج: ص:  >  >>