ويجبر عليه السيد، ويحكم به الحاكم على الورثة إن مات السيد، ورأى مالك -رحمه الله تعالى- هذا الأمر على الندب، ولم ير لقدر الوضيعة حداً، واحتج الشافعي بمطلق الأمر في قوله:{وَآتُوهُم} ورأى أن عطف الواجب على الندب معلوم في القرآن ولسان العرب، كما قال تعالى:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى} [(٩٠) سورة النحل] وما كان مثله.
قال ابن العربي وذكره قبله إسماعيل بن إسحاق القاضي، جعل الشافعي الإيتاء واجباً والكتابة غير واجبة، فجعل الأصل غير واجب والفرع واجباً، وهذا لا نظير له، فصارت دعوى محضة، فإن قيل: يكون ذلك كالنكاح لا يجب فإذا انعقد وجبت أحكامه منها المتعة، قلنا: عندنا لا تجب المتعة، فلا معنى لأصحاب الشافعي، وقد كاتب عثمان بن عفان عبده وحلف ألا يحطه في حديث طويل.
التنظير المطابق لمثل هذا في النذر، أصل النذر ليس بواجب بل مكروه، ولا يأتي بخير، لكن إذا ثبت لزم ووجب.
قلت: وقد قال الحسن والنخعي وبريدة: إنما الخطاب بقوله: {وَآتُوهُم} للناس أجمعين في أن يتصدقوا على المكاتبين، وأن يعينوهم في فكاك رقابهم، وقال زيد بن أسلم: إنما الخطاب للولاة بأن يعطوا المكاتبين من مال الصدقة حظهم، وهو الذي تضمنه قوله تعالى:{وَفِي الرِّقَابِ} [(٦٠) سورة التوبة] وعلى هذين القولين فليس لسيد المكاتب أن يضع شيئاً عن مكاتبه، ودليل هذا أنه لو أراد حط شيء من نجوم الكتابة لقال: وضعوا عنهم كذا.
لقال: ... إيش.
الطالب: لقال وضعوا عنهم.
خبر ولا أمر.
الطالب: أمر.
كاتبهم وضعوا
الثالثة عشرة: إذا قلنا: إن المراد بالخطاب السادة، فرأى عمر بن الخطاب أن يكون ذلك من أول نجومه مبادرةً إلى الخير خوفاً ألا يدرك آخرها، ورأى مالكُ -رحمه الله تعالى- وغيره أن يكون الوضع من آخر نجم، وعلة ذلك أنه إذا وضع من أول نجم ربما عجز العبد، فرجع هو وماله إلى السيد، فعادت إليه وضيعته، وهي شبه الصدقة، وهذا قول عبد الله بن عمر وعلي، وقال مجاهد: يترك له من كل نجم ..