إذا كاتبه على اثنا عشر نجم مثلاً، كل نجم ألف، ووضع عنه من كل نجمٍ مائة، صار المجموع ألف ومائتين، أو وضع عنه النجم الأول أو النجم الأخير، إن خفف عنه من كل نجمٍ مائة لا شك أن هذا قد يكون أيسر، وإن خفف عنه الأخير لا سيما وأنه في أول الأمر سوف يسعى ويجتهد ويجد في الأشهر الأولى ويحصل النجم كاملاً، وقد يزيد عليه، لكنه في الآخر قد يتراخى فيحتاج إلى مساعدة ومعاونة، يكون في الأخير.
قال ابن العربي: والأقوى عندي أن يكون في آخرها؛ لأن الإسقاط أبداً إنما يكون في أخريات الديون.
وفيه حفز للمدين أن يسدد؛ لأنه إذا وعد بأن يسقط عنه النجم الأخير حرص على السداد، لكن إذا أسقط عنه النجم الأول تراخى.
الرابعة عشرة: المكاتب إذا بيع للعتق رضاً منه بعد الكتابة وقبض بائعه ثمنه لم يجب عليه أن يعطيه من ثمنه شيئاً، سواءً باعه لعتق أو لغير عتق، وليس ذلك كالسيد يؤدي إليه مكاتب كتابته فيؤتيه منها أو يضعُ عنه من آخرها نجماً أو ما شاء، على ما أمر الله به في كتابه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر موالي بريرة بإعطائها مما قبضوا شيئاً وإن كانوا قد باعوها للعتق.
الخامسة عشرة: اختلفوا في صفة عقد الكتابة، فقال ابن خويز منداد: صفتها أن يقول السيد لعبده: كاتبتك على كذا وكذا من المال في كذا وكذا نجماً إذا أديته فأنت حر، أو يقول له: أدّ إليّ ألفاً في عشرة أنجمٍ وأنت حر، فيقول العبد: قد قبلت، ونحو ذلك من الألفاظ، فمتى أدّاها عتق ..
لأنها متضمنة للإيجاب والقبول.
وكذلك لو قال العبد: كاتبني، فقال السيد: قد فعلت، أو: قد كاتبتك، قال ابن العربي: وهذا لا يلزم؛ لأن لفظ القرآن لا يقتضيه، والحال يشهد له، فإن ذكره فحسن، وإن تركه فهو معلوم لا يحتاج إليه، ومسائل هذا الباب وفروعه كثيرة، وقد ذكرنا من أصوله جملةً فيها لمن اقتصر عليها كفاية، والله الموفق للهداية.