الثالثة: قوله تعالى: {وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ} هذا ابتداء كلام: أي ولا عليكم أيها الناس، ولكن لما اجتمع المخاطب وغير المخاطب غلَّب المخاطب؛ لينتظم الكلام، وذكر بيوت القرابات وسقط منها بيوت الأبناء، فقال المفسرون: ذلك؛ لأنها داخلة في قوله:{مِن بُيُوتِكُمْ} لأن بيت ابن الرجل بيته، وفي الخبر:((أنت ومالك لأبيك)) ولأنه ذكر الأقرباء بعد ولم يذكر الأولاد.
الأولاد لا يحتاجون إلى ذكر؛ لأن بيت الولد بيت للوالد، فلا يحتاجون إلى ذكر فهم داخلون في بيوتهم.
قال النحاس: وعارض بعضهم هذا القول فقال: هذا تحكم على كتاب الله تعالى، بل الأولى في الظاهر ألا يكون الابن مخالفاً لهؤلاء، وليس الاحتجاج بما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أنت ومالك لأبيك)) بقوي لوهي هذا الحديث، وأنه لو صح لم تكن فيه حجة.
نقول في مثل هذا المقام لا حاجة لمثل هذا الحديث، يعني مجرد عدم ذكر الأولاد دليل على أن بيوت الأولاد بيوت للآباء، لا نحتاج إلى الحديث، الحديث صح أو لم يصح، عدم ذكرهم في الآية يدل على أنهم في حكم النفس.
وأنه لو صح لم تكن فيه حجة، إذ قد يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- علم أن مال ذلك المخاطب لأبيه، وقد قيل إن المعنى: أنت لأبيك، ومالك مبتدأ أي: ومالك لك، والقاطع لهذا التوارث بين الأب والابن.
يعني لو كان مال الابن هو مال الأب لما حصل توارث، أن كل شيء باقي على أصله، إذا مات الابن ما نقول: يرثه الأب، هو مال الأب من الأصل ما يحتاج إلى إرث، هذه حجته، لكن الحديث له معنى والتوارث له معنى، وما عندنا في الآية له معنى، وكل شيء له ما يخصه من هذه المعاني.
وقال الترمذي الحكيم: ووجه قوله تعالى: {وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ} كأنه يقول: مساكنكم التي فيها أهاليكم وأولادكم، فيكون للأهل والولد هناك شيء قد أفادهم هذا الرجل الذي له المسكن، فليس عليه حرج أن يأكل معهم من ذلك القوت.
وحينئذٍ لا يكون هذا من الرجوع، ولا يكون هذا من الرجوع.
أو يكونَ للزوجة والولد هناك شيء من ملكهم فليس عليه في ذلك حرج.