وعُظْم ذلك ما ملكه الرجل في بيته وتحت غلقه، وذلك هو تأويل الضحاك وقتادة ومجاهد، وعند جمهور المفسرين يدخل في الآية الوكلاء والعبيد والأجراء، قال ابن عباس: عنى وكيل الرجل على ضيعته، وخازنه على ماله، فيجوز له أن يأكل مما هو قيم عليه، وذكر معمر عن قتادة عن عكرمة قال: إذا ملك الرجل المفتاح فهو خازن، فلا بأس أن يطعم الشيء اليسير، قال ابن العربي: وللخازن أن يأكل مما يخزن إجماعاً، وهذا إذا لم تكن له أجرة، فأما إذا كانت له أجرة على الخزن حرم عليه الأكل.
وقرأ سعيد بن جبير {ملِّكتم} بضم الميم وكسر اللام وشدها، وقرأ أيضاً مفاتيحه بياء بين التاء والحاء: جمع مفتاح، وقد مضى في الأنعام، وقرأ قتادة (مفتاحه) على الإفراد، وقال ابن عباس: نزلت هذه الآية في الحارث بن عمرو خرج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غازياً وخلف مالك بن زيد على أهله، فلما رجع وجده مجهوداً فسأله عن حاله فقال: تحرجت أن آكل من طعامك بغير إذنك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
السادسة: قوله تعالى: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} الصديق: بمعنى الجمع وكذلك العدو، قال الله تعالى:{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي} [(٧٧) سورة الشعراء] وقال جرير:
دعون الهوى ثم ارتمين قلوبنا ... بأسهم أعداء وهن صديقُ
والصديق: من يصدقك في مودته، وتصدقه في مودتك.
يعني قوله:{أَوْ صَدِيقِكُمْ} يقول: الصديق بمعنى الجمع، لماذا؟ لأنه مفرد مضاف، والمفرد إذا أضيف يفيد العموم، فهو بمعنى الجمع.
والصديق: من يصدقك في مودته، وتصدقه في مودتك ثم قيل: إن هذا منسوخ بقوله: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ} [(٥٣) سورة الأحزاب] وقوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا} [(٢٨) سورة النور] .. الآية.
وقوله -عليه السلام-: ((لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفسٍ منه)) وقيل: هي محكمة وهو أصح.
ذكر محمد بن ثور عن معمر قال: دخلت بيت قتادة فأبصرت فيه رطباً فجعلت آكله، فقال: ما هذا؟ فقلت: أبصرت رطباً.