وقال أبو عبيد: المعني فيما تقولون فما يستطيعون لكم صرفاً عن الحق الذي هداكم الله إليه ولا نصراً لأنفسهم مما ينزل بهم من العذاب بتكذيبهم إياكم، وقراءة العامة {بِمَا تَقُولُونَ} [(١٩) سورة الفرقان] بالتاء على الخطاب وقد بيَّنا معناه، وحكى الفراء أنه يقرأ:(فقد كذبوكم) مخففاً (بما يقولون) وكذا قرأ مجاهد والبزي بالياء، ويكون معنى:(يقولون) بقولهم، وقرأ أبو حيوة بـ (ما يقولون) بياء، (فما تستطيعون) بتاء على الخطاب لمتخذي الشركاء، ومن قرأ بالياء فالمعنى: فما يستطيع الشركاء، {وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ} [(١٩) سورة الفرقان] قال بان عباس: من يشرك منكم ثم مات عليه.
والشرك، الشرك ظلم عظيم، كما في قول العبد الصالح لقمان الذي ساقه الله -جل وعلا- في سورته، هنا صرف الظلم إلى الشرك، والشرك – نسأل الله السلامة والعافية – هو الظلم العظيم، وهو الظلم المطلق الذي لا خير معه، {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [(٨٢) سورة الأنعام] قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: بشرك ((ألم تسمعوا قول العبد الصالح: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(١٣) سورة لقمان] ولهذا اقتصر عليه هنا، ودليله جواب الشرط {نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} [(١٩) سورة الفرقان] نذقه على سبيل الجواب للشرط، لكن الذي يظلم العباد في أموالهم وفي أعراضهم وفي أبدانهم هذا إن لم يعف الله عنه ويتجاوز عنه ويرضي خصومه ينال مثل هذا الجزاء؛ لأنه متوعد بالعقاب، وعلى كل حال الشرك هو الظلم العظيم بل الأعظم، ثم يليه أنواع من الظلم.
قال بان عباس: من يشرك منكم ثم مات عليه {نُذِقْهُ} أي في الآخرة، {عَذَابًا كَبِيرًا} أي شديداً، كقوله تعالى:{وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [(٤) سورة الإسراء] أي شديداً، قوله تعالى:{وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [(٢٠) سورة الفرقان] فيه تسع مسائل: