قلت: لو كان ذلك لوجب عليهم وعلى الرسول معهم البيان كما ثبت في القرآن {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [(٤٤) سورة النحل] وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [(١٥٩) سورة البقرة] .. الآية، وهذا من البيان والهدى، وأما أصحاب الصفة فإنهم كانوا ضيف الإسلام عند ضيق الحال، فكان -عليه السلام- إذا أتته صدقة خصَّهم بها، وإذا أتته هدية أكلها معهم، وكانوا مع هذا يحتطبون ويسوقون الماء إلى أبيات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا وصفهم البخاري وغيره، ثم لما افتتح الله عليهم البلاد، ومهّد لهم المهاد، تأمروا، وبالأسباب أمروا، ثم إن هذا القول يدل على ضعف النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه؛ لأنهم أيدوا بالملائكة وثبَّتوا بهم فلو كانوا أقوياء ما احتاجوا إلى تأييد الملائكة، وتأييدهم إذ ذلك سبب من أسباب النصر، نعوذ بالله من قول وإطلاق يؤول إلى هذا، بل القول بالأسباب والوسائط سنة الله وسنة رسوله وهو الحق المبين، والطريق المستقيم، الذي انعقد عليه إجماع المسلمين، وإلا كان يكون قوله الحق:{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ} [(٦٠) سورة الأنفال] .. الآية، مقصوراً على الضعفاء، وجميع الخطابات كذلك، وفي التنزيل حيث خاطب موسى الكليم:{اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ} [(٦٣) سورة الشعراء] وقد كان قادراً على فلق البحر دون ضرب عصا، وكذلك مريم -عليها السلام-: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} [(٢٥) سورة مريم] وقد كان قادراً على سقوط الرطب دون هزٍّ ولا تعب، ومع هذا كله فلا ننكر أن يكون رجل يُلطف به ويعان، أو تجاب دعوته، أو يكرمه بكرامةٍ في خاصة نفسه، أو لأجل غيره، ولا نهد لذلك القواعد الكلية والأمور الجَمِلية.
الجُمْلِية.
ولا نهد لذلك القواعد الكلية والأمور الجُمْلِية، هيهات هيهات ..