يعني حينما قال:"يا سارية الجبل" وهم في غزو، وكشف لعمر -رضي الله تعالى عنه- أنهم: أشرفوا على الهزيمة فأمره -رضي الله تعالى عنه- أن يلجأ إلى الجبل ويقاتل من ورائه، وسمعه سارية وامتثل، وحصل لهم النصر، وهذا من الكرامات التي يعترف بها ويقر بها أهل السنة إذا صدرت من متبع.
قلت: وقد ذكر هذا الخبر أبو بكر الأنباري في كتاب الرد له، وقد حدثني أبي -رحمه الله- حدثنا علي بن حرب، حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قرأ:"وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث" قال أبو بكر: فهذا حديث لا يؤخذ به على أن ذلك قرآن، والمحدث هو الذي يوحى إليه في نومه؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي.
الثانية: قال العلماء: إن هذه الآية مشكلة من جهتين: إحداهما: أن قوماً يرون أن الأنبياء صلوات الله عليهم فيهم مرسلون وفيهم غير مرسلين، وغيرهم يذهب إلى أنه لا يجوز أن يقال نبي حتى يكون مرسلاً، والدليل على صحة هذا قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} [(٥٢) سورة الحج] فأوجب للنبي -صلى الله عليه وسلم- الرسالة.
مقتضى قول الجمهور أن النبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه هذا يكون غير مرسل، وأما الرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، ومقتضى قولهم: أنه نبي لكن غير رسول، وكل رسول نبي ولا عكس.
وأن معنى (نبي) أنبأ عن الله -عز وجل-، ومعنى أنبأ عن الله -عز وجل- الإرسال بعينه، وقال الفراء: الرسول الذي أرسل إلى الخلق بإرسال جبريل -عليه السلام- إليه عياناً، والنبي الذي تكون نبوته إلهاماً أو مناماً، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً، قال المهدوي: وهذا هو الصحيح أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً، وكذا ذكر القاضي عياض في كتاب الشفا قال: والصحيح والذي عليه الجم الغفير أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً، واحتج بحديث أبي ذر وأن الرسل من الأنبياء ثلاثمائة وثلاثة عشر أولهم آدم وآخرهم محمد -صلى الله عليه وسلم-، والجهة الأخرى التي فيها الإشكال وهي: