للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعم قد يقول قائل: كيف يقول الله -جل وعلا-: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [(١) سورة القدر] والمعلوم أنه لم ينزل جملة واحدة، فإما أن يكون نزوله في ليلة القدر جملةً واحدة إلى السماء الدنيا، أو يقال: أن بداية التنزيل في ليلة القدر، بداية التنزيل في شهر رمضان {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [(١٨٥) سورة البقرة] يعني بداية التنزيل.

{وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [(٣٣) سورة الفرقان] يقول: لو أنزلنا عليك القرآن جملةً واحدة ثم سألوك لم يكن عندك ما تجيب به، ولكن نمسك عليك فإذا سألوك أجبت، قال النحاس: وكان ذلك من علامات النبوة؛ لأنهم لا يسألون عن شيء إلا أجيبوا عنه، وهذا لا يكون إلا من نبي فكان ذلك تثبيتاً لفؤاده وأفئدتهم، ويدل على هذا {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [(٣٣) سورة الفرقان] ولو نزل جملةً بما فيه من الفرائض؛ لثقل عليهم، وعلم الله -عز وجل- أن الصلاح في إنزاله متفرقاً؛ لأنهم ينبَّهون به مرة بعد مرة، ولو نزل جملةً واحدة لزال معنى التنبيه، وفيه ناسخ ومنسوخ، فكانوا يتعبدون بالشيء إلى وقتٍ بعينه، قد علم الله -عز وجل- فيه الصلاح، ثم ينزل النسخ بعد ذلك، فمحال أن ينزل جملةً واحدة: افعلوا كذا ولا تفعلوا، قال النحاس: والأولى أن يكون التمام جملةً واحدة؛ لأنه إذا وقف على {كَذَلِكَ} صار المعنى كالتوراة والإنجيل والزبور، ولم يتقدم لها ذكر، قال الضحاك: {وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} أي تفصيلاً، والمعنى: أحسن من مثلهم تفصيلاً.

مَثَلهم، ولا يأتونك بمَثَلٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>