للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقصود أن مثل هذه القصة لا تثبت، وانبرى لها أهل العلم وفندوها وصنفوا فيها، ممن صنف فيها الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- برسالة أسماها: "فصل المجانيق لنسف قصة الغرانيق".

وأقطع من هذا ما ذكره الواقدي عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله قال: سجد المشركون كلهم إلا الوليد بن المغيرة فإنه أخذ تراباً من الأرض فرفعه إلى جبهته وسجد عليه، وكان شيخاً كبيراً، ويقال: إنه أبو أحيحة سعيد بن العاص حتى نزل جبريل -عليه السلام- فقرأ عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: ما جئتك به، وأنزل الله {لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً} [(٧٤) سورة الإسراء] قال النحاس: وهذا حديث منكر منقطع ولا سيما من حديث الواقدي. وفي البخاري أن الذي أخذ قبضة من تراب ورفعها إلى جبهته هو أمية بن خلف، وسيأتي تمام كلام النحاس على الحديث -إن شاء الله- آخر الباب، قال ابن عطية: وهذا الحديث الذي فيه هي الغرانيق العلا وقع في كتب التفسير ونحوها، ولم يدخله البخاري ولا مسلم، ولا ذكره في علمي مصنف مشهور، بل يقتضي مذهب أهل الحديث أن الشيطان ألقى، ولا يعينون هذا السبب ولا غيره.

يعني لا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي نطق بذلك.

ولا خلاف أن إلقاء الشيطان إنما هو لألفاظ مسموعة بها وقعت الفتنة، ثم اختلف الناس في صورة هذا الإلقاء، فالذي في التفاسير وهو مشهور القول أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تكلم بتلك الألفاظ على لسانه، وحدثني أبي -رضي الله عنه- أنه لقي بالمشرق من شيوخ العلماء والمتكلمين من قال: هذا لا يجوز على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو المعصوم في التبليغ، وإنما الأمر أن الشيطان نطق بلفظ أسمعه الكفار عند قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [(١٩ - ٢٠) سورة النجم] وقرب صوته من صوت النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى التبس الأمر على المشركين وقالوا: محمد قرأها، وقد روي نحو هذا التأويل عن الإمام أبي المعالي وقيل: الذي ألقى شيطان الإنس كقوله -عز وجل-: {وَالْغَوْا فِيهِ} [(٢٦) سورة فصلت] قال قتادة: هو ما تلاه ناعساً.

<<  <  ج: ص:  >  >>