يعني هذا هو رأي الحنابلة والشافعية إلا أنهم يحدّون، يضعون حداً بين القليل والكثير، ويجعلون الحدّ الفاصل القلّتين، وهو أيضاً رأي الحنفية إلا أن تحديدهم والحدّ الفاصل بين القليل والكثير يختلف عن رأي الشافعية والحنابلة باعتبار أن الحنفية يقولون: القليل ما زاد عن عشرة في عشرة، أو ما إذا حرك طرفه لم يتحرك طرفه الآخر.
إلا أن ابن القاسم روى عن مالك في الجنب يغتسل في حوض من الحياض التي تسقى فيها الدواب ولم يكن غسل ما به من الأذى أنه قد أفسد الماء، وهو مذهب ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم ومن اتبعهم من المصريين، إلا ابن وهب فإنه يقول في الماء بقول المدنيين من أصحاب مالك، وقولهم ما حكاه أبو مصعب عنهم وعنه: أن الماء لا تفسده النجاسة الحالَّة فيه قليلاً كان أو كثيراً إلا أن تظهر فيه النجاسة الحالَّة فيه وتغير منه طعماً أو ريحاً أو لوناً.
وهذا ما يرجحه شيخ الإسلام -رحمه الله-، أن الماء لا ينتقل من وصف الطهارة إلى النجاسة حتى يتغير، قلّ أو كثر، وذلكم لأن حديث القلتين فيه كلام كثير لأهل العلم، وشيخ الإسلام معروف يصحح الحديث لكنه يعمل بمنطوقه دون مفهومه، مع تصحيحه للحديث يعمل بمنطوقه دون مفهومه، فلا يرى تأثر ما دون القلتين بما خالطه ما لم يتغير، أما إذا تغير فهو نجس بالإجماع قلّ أو أكثر، نجس بالاتفاق، والغزالي صاحب الإحياء تمنى أن لو كان مذهب الإمام الشافعي مثل مذهب الإمام مالك في الماء، أنه لا يحكم بنجاسته إلا إذا تغير قلّ أو أكثر، ولا شك أن هذا أوضح، ومن نظر في الكتب الفقهية المطولة سواءً من الشافعية أو الحنابلة أو الحنفية رأى شيء لا يليق بسهولة الشريعة ويسرها في كثير من مسائل الطهارة والمياه عنت وتشديد شيء لا يليق بسهولة الشريعة ولذا المرجح في هذه المسألة هو قول مالك -رحمه الله-.
وذكر أحمد بن المعدل أن هذا قول مالك بن أنس في الماء وإلى هذا ذهب إسماعيل بن إسحاق ومحمد بن بكير وأبو الفرج الأبهري وسائر المنتحلين لمذهب مالك من البغداديين؛ وهو قول الأوزاعي والليث بن سعد والحسن بن صالح وداود بن علي، وهو مذهب أهل البصرة، وهو الصحيح في النظر وجيِّد الأثر.