فوصف الماء بأنه طَهور (بفتح الطاء) أيضاً يكون خبراً عن الآلة التي يتطهر بها، فإذا ضمت الفاء في الوقود والسحور والطهور عاد إلى الفعل وكان خبراً عنه فثبت بهذا أن اسم الفَعول (بفتح الفاء) يكون بناءً للمبالغة ويكون خبراً عن الآلة، وهو الذي خطر ببال الحنفية، ولكن قصرت أشداقها عن لوكه، وبعد هذا يقف البيان عن المبالغة وعن الآلة على الدليل بقوله تعالى:{وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا} [(٤٨) سورة الفرقان] وقوله -عليه السلام-: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) يحتمل المبالغة ويحتمل العبارة به عن الآلة فلا حجة فيه لعلمائنا، لكن يبقى قوله:{لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ} [(١١) سورة الأنفال] نص في أن فعله يتعدى إلى غيره.
الثانية: المياه المنزلة من السماء والمودعة في الأرض طاهرة مطهرة على اختلاف ألوانها وطعومها وأرياحها حتى يخالِطَها غيرها والمخالط للماء على ثلاثة أضرب: ضرب يوافقه في صفتيه جميعاً فإذا خالطه فغيره لم يسلبه وصفاً منهما لموافقته لهما وهو التراب، والضرب الثاني يوافقه في إحدى صفتيه وهي الطهارة.
يعني الوصفان هما الطهارة في نفسه والتطهير لغيره، فالتراب طاهر في نفسه مطهر لغيره، باعتبار أنه يُتطهر به في التيمم، فهذا إذا خالط الماء لم يؤثر فيه ما لم يمنع من تسميته ماءً كأن يكون طين مثلاً، أما إذا منع من تسميته ماء فلا يصح الوضوء به، والثاني: موافقته في إحدى صفتيه وهي الطهارة كسائر المائعات التي لا يطلق عليها اسم الماء كاللبن مثلاً، إذا صب على الماء بحيث من رآه لا يقول هذا ماء، أو المرق، أو غيرهما، إذا صبّ على الماء سلبه الاسم.
والضرب الثاني يوافقه في إحدى صفتيه وهي الطهارة، فإذا خالطه فغيره سلبه ما خالفه فيه، وهو التطهير كماء الورد وسائر الطاهرات.
والضرب الثالث يخالفه في الصفتين جميعاً، فإذا خالطه فغيره سلبه الصفتين جميعاً لمخالفته له فيهما، وهو النجس.
الثالثة: ذهب المصريون من أصحاب مالك إلى أن قليل الماء يفسده قليل النجاسة وأن الكثير لا يفسده إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه من المحرمات ولم يحدُّوا بين القليل والكثير حداً يوقف عنده.