ولو تغير بها وقد وضعت فيه لكان ذلك تنجيساً له للمخالطة، والأول مجاورة لا تعويل عليها، قلت: وقد استدل به أيضاً على نقيض ذلك وهو أن تغير الرائحة يخرجه عن أصله، ووجه هذا الاستدلال أن الدم لما استحالت رائحته إلى رائحة المسك خرج عن كونه مستخبثاً نجساً، وأنه صار مسكاً، وإن المسك بعض دم الغزال، فكذلك الماء إذا تغيرت رائحته وإلى هذا التأويل ذهب الجمهور في الماء، وإلى الأول ذهب عبد الملك، قال أبو عمر: جعلوا الحكم للرائحة دون اللون فكان الحكم لها، فاستدلوا عليها -في زعمهم- بهذا الحديث، وهذا لا يفهم منه معنى تسكن إليه النفس، ولا في الدم معنى الماء فيقاس عليه، ولا يشتغل بمثل هذا الفقهاء، وليس من شأن أهل العلم اللغز به وإشكاله، وإنما شأنهم إيضاحه وبيانه، ولذلك أخذ الميثاق عليهم ليبيننه للناس ولا يكتمونه، والماء لا يخلو تغيره بنجاسةٍ أو بغير نجاسة، فإن كان بنجاسةٍ وتغير، فقد أجمع العلماء على أنه غير طاهر ولا مطهر، وكذلك أجمعوا أنه إذا تغير بغير نجاسة أنه طاهر على أصله، وقال الجمهور: إنه غير مطهر إلا أن يكون تغيره من تربة.
وحمأةٍ؟ كذا وحمأةٍ؟ عندنا الحاء ليست موجودة.
إلا أن يكون تغيره من تربة وحمأة، وما أجمعوا عليه فهو الحق لا إشكال فيه ولا التباس معه.
الرابعة: الماء المتغير بقراره كزرنيخ أو جير يجري عليه، أو تغير بطحلب أو ورق شجر ينبت عليه، لا يمكن الاحتراز عنه، فاتفق العلماء أن ذلك لا يمنع من الوضوء به؛ لعدم الاحتراز منه والانفكاك عنه، وقد روى ابن وهب عن مالك أن غيره أولى منه.
غيره أولى منه؛ لأنه تغير، وإن كان يشق التحرز منه كالماء الذي تغير بطول المكث، الماء الآجن، يجوز الوضوء به ويصح اتفاقاً، إلا ما يحكى عن ابن سيرين من كراهته، وهو موافق لقول مالك غيره أولى منه.