قلت: وأما ما استدل به على استعمال النبيذ فأحاديث واهية ضعاف، لا يقوم شيء منها على ساق، ذكرها الدارقطني وضعفها ونص عليها، وكذلك ضعف ما روي عن ابن عباس موقوفاً:(النبيذ وضوء لمن لم يجد الماء) في طريقه ابن محرز متروك الحديث، وكذلك ما روي عن علي أنه قال: لا بأس بالضوء بالنبيذ. الحجاج وأبو ليلى ضعيفان، وضعف حديث ابن مسعود، وقال: تفرد به ابن لهيعة، وهو ضعيف الحديث، وذكر عن علقمة بن قيس قال: لعبد الله بن مسعود: اشهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحد منكم ليلة أتاه داعي الجن؟ فقال: لا. قلت: هذا إسناد صحيح لا يختلف في عدالة رواته، وأخرج الترمذي حديث ابن مسعود.
إما أن يحمل على تعدد القصة، ففي هذه المرة لم يصحبه أحد وقد صحب في غيرها، أو يقال: إنه صحبه في أول الطريق من صحبه ثم في بقية الطريق تفرد -عليه الصلاة والسلام-، وفي حديث ابن مسعود في الوضوء بالنبيذ أنه ليلة الجن، سمعه يقول: تمرة طيبة وماء طهور، والحديث ضعيف عند أهل العلم بلا شك.
قلت: هذا إسناد صحيح لا يختلف في عدالة رواته، وأخرج الترمذي حديث ابن مسعود قال: سألني النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ما في إداوتك؟ )) فقلت: نبيذ، فقال:((تمرة طيبة وماء طهور)) قال: فتوضأ منه قال أبو عيسى: وإنما روي هذا الحديث عن أبي زيد عن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو زيد رجل مجهول عند أهل الحديث لا نعرف له رواية غير هذا الحديث، وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء بالنبيذ منهم سفيان وغيره، وقال بعض أهل العلم: لا يتوضأ بالنبيذ، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقال إسحاق: إن ابتلي رجل بهذا فتوضأ بالنبيذ وتيمم أحبَّ إليّ.
قال أبو عيسى: وقول من يقول: لا يتوضأ بالنبيذ أقرب إلى الكتاب والسنة وأشبه؛ لأن الله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا}[النساء: ٤٣] وهذه المسألة مطولة في كتب الخلاف، وعمدتهم التمسك بلفظ الماء حسبما تقدم في المائدة بيانه، والله أعلم.