أي: عن النساء وعما لم تعلمي، وأنكره علي بن سليمان وقال: أهل النظر ينكرون أن تكون الباء بمعنى عن؛ لأن في هذا إفساداً لمعاني قول العرب: لو لقيت فلاناً للقيك به الأسد: أي للقيك بلقائك إياه الأسد، المعنى فاسأل بسؤالك إياه خبيراً، وكذلك قال ابن جبير: الخبير هو الله تعالى، فـ {خَبِيرًا} نصب على المفعول به بالسؤال.
قلت: قول الزجاج يخرَّج على وجه حسن، وهو أن يكون الخبير غير الله، أي فاسأل عنه خبيراً: أي علماً به أي: بصفاته وأسمائه، وقيل: المعنى فاسأل له خبيراً فهو نصب على الحال من الهاء المضمرة.
قال المهدوي: ولا يحسن حالاً إذ لا يخلو أن تكون الحال من السائل أو المسؤول، ولا يصح كونها حالاً من الفاعل؛ لأن الخبير لا يحتاج أن يسأل غيره، ولا يكون من المفعول؛ لأنه المسؤول عنه، وهو الرحمن خبير أبداً، والحال في أغلب الأمر يتغير وينتقل إلا أن يحمل على أنها حال مؤكدة، مثل:{وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً} [(٩١) سورة البقرة] فيجوز.
وأما {الرَّحْمَنُ} ففي رفعه ثلاثة أوجه: يكون بدلاً من المضمر الذي في {استوى} ويجوز أن يكون مرفوعاً بمعنى: هو الرحمن، ويجوز أن يكون مرفوعاً بالابتداء، وخبره {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} ويجوز الخفض بمعنى: وتوكل على الحي الذي لا يموت الرحمن، يكون نعتاً، ويجوز النصب على المدح.
قوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} [(٦٠) سورة الفرقان] أي الله تعالى، {قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} على جهة الإنكار والتعجب، أي: ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب، وزعم القاضي أبو بكر بن العربي أنهم إنما جهلوا الصفة لا الموصوف، واستدل على ذلك بقوله:{وَمَا الرَّحْمَنُ} ولم يقولوا: ومن الرحمن؟ قال ابن الحصار: وكأنه -رحمه الله- لم يقرأ الآية الأخرى:{وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} [(٣٠) سورة الرعد].
على مقتضى كلام ابن العربي –رحمه الله- أنهم يقرّون بالرحمن باعتبار أنه الإله الخالق المدبر؛ لكن لا يعترفون بهذه الصفة التي هي صفة الرحمة، لكن قوله -جل وعلا-: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} يرد قولهم.